د / محمود أبوعميرة يكتب : حين يتحدث القلب … تصبح السعادة وطنًا.


هناك أصواتٌ لا تسمعها الأذن، لانها تنبعث من داخل الروح فتجعل القلب بين نبضةٍ وابتسامة، ويشعر المرء بأن ضوءا جديدا ولد بداخله، فكأن الفجر تسلل إليك خلسة، وجلس قرب الروح ليبعث فيها الحياة مجددا.
وهناك لحظات في عمر الإنسان لا تُقاس بالسنين، بل تُقاس بنبضٍ يهمس فجأة بداخله، ويُخبره بأن الحياة لم تكن يومًا عدوًّا، وإنما كانت تنتظر منه أن يُصغي جيدًا لصوتٍ واحدٍ أهمله طويلًا: هو صوت قلبه، ذلك الرفيق الصادق الذي عندما يتحدث، يولد معه وطنا كاملا من السعادة، فتبدو معالم الحياة واضحة، وينهزم الألم، ويولد الأمل، ويرى الدمعة قبل أن تسقط، ويُدرك الوجع قبل أن يشتد.
نعم حين يتحدث القلب تصبح السعادة وطنًا، فالوطن ليس خريطة مرسومة، ولا حدودًا تحرسها الأسوار، لكن الوطن هو المكان الذي يطمئن فيه قلبك، ويتنفس فيه صدرك بسلام، وتتسع فيه روحك للحب والابتسامة.
وحين يهمس القلب ندرك أن السعادة ليست مكانًا نسافر إليه، بل روح تنبعث من أعماقنا، لتجعل اللحظات العابرة ذكرى لا تُنسى، وليقودنا إلى أجمل نسخة من حياتنا، وإلى دروبٍ لم نظن يومًا أننا سنسلكها، والى سعادةٍ لم نكن نعلم أننا على موعد معها.
فدع قلبك يتحدث، ويكتب رسائله على صفحات أيامك، لتدرك أن السعادة لم تكن يومًا حلمًا بعيدًا، بل وطنًا كان يسكنك منذ البداية لكنك لم تستطيع اكتشافه.
إن القلب حين يتكلم يعلمنا أن الهزائم ليست نهاية الطريق، بل بداياتٌ خفية لقوةٍ لم نكن نعرف اننا نملكها، وحين يتحدث تتغير ملامح العالم، فكم من مرة رأينا الأشياء ناقصة، والفصول باهتة، والأيام متعبة، ثم جاء صوت داخلي لطيف يقول: انظر من جديد، فإذا بالعالم جميل، والشمس تُشرق لأجلنا، والفرص تطل من شقوق الضيق نفسها.
فنحن كثيرًا ما نُخطئ طريقنا لأننا نُصغي لكل شيء إلا لما يجب أن نُصغي له، فنسمع الناس، ونسمع الخوف، ونسمع الذكريات القديمة، ونسمع الصمت الذي يضغط على صدورنا، لكننا لم نسمع ذلك الصوت النقي القابع في أعماقنا.
نعم فالقلب ليس جهازًا لضخ الدم، بل جهازًا لضخ البصيرة والرؤية العميقة، فعندما يتحدث، تتجلى أمامك فجأة حقائق لم تكن تراها: فتدرك من يستحق البقاء، من يجب أن تبتعد عنه، ما الذي يُبهجك حقًا، وما الذي كنت تتمسك به دون جدوى.
وحين يتحدث القلب… تُعاد كتابة الأشياء من جديد، وتنظر فجأة إلى العالم، فتراه مختلفًا، وكأن أحدًا غيّر الإضاءة من حولك، والحقيقة أنه لم يتغيّر شيئا، لكن قلبك هو الذي تغيّر.
وحين يتحدث القلب في لحظات الانكسار، لا يواسيك بكلماتٍ براقة، بل يمدّ لك يدًا خفية تقول:
لقد مررنا بما هو أثقل ونهضنا، وسننهض الآن أيضًا.
فالقلب يذكّرك أن الحزن لا يقتل، بل يُنضج، وأن الدموع ليست ضعفًا، بل غسلًا للروح كي تنبت من جديد، وأن الانكسار ليس نهاية، بل بداية لشيءٍ أنقى، أصدق، أعمق، فالسعادة لا تأتي لمن يطاردها، بل لمن يسمح لقلبه أن يقوده إليها، فحين يتحدث القلب، يصير كل مكانٍ جميلاً، وكل صباح فرصة، وكل لحظة نعمة، وكل إنسانٍ نلتقيه سببًا لامتنانٍ جديد.
فالقلب حين يتحدث يُعيد ترتيب الأكوان الصغيرة داخلك، ويجعل القليل كثيرًا، والعادي جميلاً، والوحدة أنسًا، والصمت موسيقى، ويهمس لك بأن الجمال ليس في الأشياء، بل في العين التي تراها، وأن السعادة ليست في الظروف، بل في الروح التي تحتضنها، وأن الخير ليس نادرًا كما يظن بهض الناس، بل مختبئ ينتظر من يراه بقلبه، لا بعينه.
وحين يتحدث القلب… تتضح ملامح الوجوه، فليس كل من يقترب منا يضيء، وليس كل من يبتعد يُظلم، فحين يتحدث القلب، تبدأ الوجوه بالكشف عن حقيقتها، فتجد أن بعض الوجوه تمرّ عليك كنسمة طيبة، تحمل معها نورًا خفيفًا لا تدري كيف يهبط على روحك، لكنه يشفيك دون أن تشعر.
وحين يتحدث القلب… تصبح السعادة مكانًا نسكنه، وتضع فيه أرواحنا رؤوسها لتنام بسلام، فالقلب هو ذلك المكان، الذي يُخبرك أن الوطن ليس أرضًا، ولا مدينةً، ولا وجهًا ثابتًا، بل إحساسٌا يمنحك الطمأنينة، ويجعل كل لحظةٍ من لحظات حياتك جسرًا إلى ضياءٍ وأمل جديد.
وحين يتحدث قلبك، لا يتغير العالم، بل أنت الذي تتغير،فترى العالم أجمل مما كان، وتتسع روحك، ويتهذب فكرك، وينتهي خوفك، وتولد من جديد، لان السعادة أصبحت وطنًا يحيا بداخلك، وسماءًا تظل كل من حولك بروعة انسانيتك.



















«مستانف الإسماعيلية » تقضي بإلغاء حكم السجن المشدد لمتهمين بحيازة مواد مخدرة
خروج الفتيات المصابات باختناق في مصنع ملابس بالمنطقة الصناعية بالإسماعيلية
تشيع جثمان عروس المنوفية علي يد زوجها
مصرع أربعة مستشارين من قضاة محكمة ديروط في حادث أليم ...
اكتمال جاهزية سباق الشرقية الدولي ( 27 )واستعدادات ميدانية مكثّفة للانطلاق
أحمد سعد ولولا جفان نجما حفل إطلاق أضخم مشاريع ”فلو ديفلوبمنتس” بالعبور...
أبو ريدة يسلّم كأس ديربي الأمريكتين لفلامنجو البرازيلي