الإثنين 24 نوفمبر 2025 04:29 مـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

دنيا ودين

د.محمود ابوعميرة : يكتب ماذا فقد من وجدك؟… وماذا وجد من فقدك؟

النهار نيوز

ماذا فقد من وجدك؟… وماذا وجد من فقدك؟
ما أعجب السؤال حين يُطرَح على أبواب السماء، وما أصدقه حين يُقال بين يدي ملكٍ لا يغيب عن ملكه شيء: ماذا فقد من وجدك؟ وماذا وجد من فقدك؟
سؤال واحد، لكنه يحمل في طياته خلاصة التجربة الإنسانية، ومركز الثقل في رحلة الروح بين ظلمة وغربة، وما بين نورٍ وطمأنينة.
فمن وجد الله وجد كلّ شيء، وإن حُرِم كلّ شيء، ومن فقد الله، فقد كلّ شيء، وإن مُنِح كلّ شيء، يقول تعالى: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾، ويقول أيضًا: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾، والمتأمل في الآيات يدرك أن الطمأنينة ليست في كثرة مال، ولا في جاه أو سلطان، بل في لحظة يقين تسكن بها الروح إلى ربها، فتتلاشى كلّ مخاوف الحياة.
نعم من وجد الله فقد وجد الكفاية، يقول الله تعالى في الحديث القدسي: يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيتُ كلَّ إنسان مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أُدخِل البحر» فأي قدرة على العطاء هذه، انها قدرة من يقول للشيء كن فيكونـ فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء واليه ترجعون.
احبائي ان المتأمل في الدنيا يجد أن ما بقي منها أقل مما مضى، وما مضى كأن لم يكن، فمن ذاق معرفة الله لم يلتفت إلى بريقها، لان من عرف الله، عاش غنيًّا ولو لم يملك شيئا. ومن جهل الله، عاش فقيرًا ولو امتلك كل متع الدنيا.
وهذا إبراهيم عليه وعلى نبينا افصل الصلاة والسلام، لمّا أُلقي في النار قال حسبي الله ونعم الوكيل، فقال الله للنار: ﴿يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ﴾، فمن الذي وُجد مع إبراهيم؟ انه الله، فماذا فقد؟ لم يفقد شيئًا وتحوّلت النار عليه برد وسلاما.
وهذا موسى عليه السلام، البحر أمامه، والعدو خلفه، والسماء من فوقه، والأرض من تحته.
ولكن، لما قال: قومه له ﴿إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾ قال بمنتهى اليقين ﴿كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾، فانشق البحر، وغرق القوم، ونجا موسى، ماذا وجد موسى؟ الله، وماذا فقد؟ لم يفقد شيئًا.
ويقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم (من كانت الآخرة همَّه جعل الله غناه في قلبه، وجمع عليه شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة)، فالغنى الحقيقي ليس فيما نملك، بل فيما يسكن القلب من نور اليقين بالله، وإذا وجد الإنسان ربّه، وجد الطمأنينة، وجد السكينة، وجد البركة، وجد التوفيق، وجد القبول، وجد الحكمة، وجد الحماية، ووجد المعنى الحقيقي للحياة.
عندما دعا يعقوب عليه السلام ربه، بعد ان فقد قرة عينه واحب الناس اليه ابنه يوسف عليه السلام قال: ﴿إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ﴾، فرفع الله قدر يوسف عليه السلام من ظلمات السجن إلى نور المُلك، وهكذا من عرف الله، يعرف أن الدنيا ليست معيارًا للقيمة، بل يدرك ان القيمة كلها في القرب من الله.
اما من فقد الله في رحلة حياته عاش غريبًا وضاقت عليه الارض بما رحبت قال تعالى: ﴿وَمَن أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾، والضنك قد يكون في شعورٍ يلازمه، أو خوف لا يعرف سببه، أو قلق لا ينتهي، أو ضياع لا يُعبِّر عنه، فأيّ شيء أعظم خسارة من أن يعيش الإنسان عمره كله، ثم يكتشف أنه لم يسير يومًا في الطريق المؤدي إلى الله؟
نعم من جد الله ، فقد الخوف، فقد القلق، فقد الضياع، فقد الفراغ، فقد الحاجة، واكتفى به عن كل شيء، ومن فقد الله وجد الدنيا تزاحم صدره، ووجد قلبًا قلقًا، وروحًا تبحث عن معنى للوجود لن تجده، دليدة كانت أجمل واشهر ممثلة وفنانة في العالم، وكانت تملك من الترف والغنى و المال ما لا يمكن حصره ، الا انها انتحرت وانهت حياتها بنفسها، وعندما بحثوا عن سبب موتها بهذه الطريقة البشعة وجدوا ورقة كانت اخر ما تركته الفنان الجميلة عظيمة الشهرة والمال وكان مكتوب فيها (لقد بحثت عن معنى للحياة ولم اجد معنى لها، فلم اجد معنى لوجودي، ولذا فقد قررت ان اترك هذه الحياة التي لا معنى لها، نعم دليدة فقدت معنى الحياة لانها فقدت اعظم معنى في الوجود وهو الله، فلا يوجد في الحياة اثمن من معرفة الله سبحانه وتعالى، ولا يوجد سعادة تعادل سعادة القرب منه ومعرفته، ولا توجد راحة تشبه اللجوء إليه، اللهم اجعلنا من الذين وجدوك، فما فقدوا شيئًا بعدها،ولا تجعلنا ممن فقدوك،فما وجدوا شيئًا قط.

ماذا فقد من وجدك^ماذا وجد من فقدك