الأحد 24 أغسطس 2025 11:40 مـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

المقالات

المعلّم… مَهندسُ الأرواح وصانعُ الأجيال

النهار نيوز

ما أكثرَ المهن في هذه الحياة! وما أكثرَ الذين يكدحون في طلب الرزق، ويسعون وراء معاشهم صباح مساء، غير أنّ بين هذه المهن كلّها مهنةً تظلّ شامخةً، متفردةً، ساميةً، تُعانق في عظمتها عنان السماء: إنّها مهنة المعلّم.

المعلّم ليس موظفاً يقضي ساعات ثم ينصرف، وليس ناقلاً لمعلوماتٍ تذروها الرياح كما تذرو الغبار، بل هو رسول نورٍ يزرع الكلمة فتغدو فكرة، وينفث الروح في الحروف فتنهض أجيال. إنه الذي يُشعل العقل فلا يخبو، ويُهذّب النفس فلا تشقى، ويغرس في التلميذ ما يتجاوز حدود المعرفة إلى فضاء الأخلاق والضمير.

ولقد ظنّ الناس أنّ الكتاب وحده مصدر العلم، وما علموا أنّ الكتاب صامتٌ حتى يتكلم فيه المعلّم، جامدٌ حتى يسكب فيه المعلّم روح الحياة. فما قيمة الحروف إن لم تجد من يفسّرها، وما جدوى المعارف إن لم تتجلَّ في رجلٍ يربطها بالواقع، ويصوغ منها سلوكاً ومبدأً ورسالة؟!

إنّ حضارةً لا تُكرم معلّمها هي حضارةٌ عمياء، تبني بأيدٍ وتهدم بأخرى. وإنّ أمةً تُعطي المعلم مكانته السامية هي أمةٌ تُحسن صناعة المستقبل، لأنها تعي أن صناعة الإنسان هي أشرف الصناعات وأصعبها.

المعلم هو الذي يفتح أمام الطفل باب العالم، ويضع بيده المفتاح الأول، مفتاح الحرف والكلمة. ومن بعد ذلك، يظل يرافقه في دروب الحياة، فيتوارى اسمه خلف أسماء القادة والعلماء، غير أنّ بصمته باقية في أعماق كل ناجح، وأثره ممتد في كل عقلٍ يضيء، وكل قلبٍ يزكو.

فيا أيها المعلّم، إنك حين تُمسك بالقلم فأنت تمسك بزمام الغد، وحين تُلقي كلمة فأنت تصوغ بها مصيراً. وإذا كان الناس جميعاً يبنون بالحجارة والمعادن، فأنت وحدك الذي تبني بالإنسان نفسه. وما أعظمها من صناعة!