الهجرة درب ودرس

ليست الهجرة النبوية مجرد رحلة انتقال من مكة إلى المدينة، بل نقلة إنسانية وحضارية أضاءت درب البشرية، وسُطِّرت في سجلّ الزمان كأعظم دروس الصبر، والتخطيط، والإيمان بالرسالة.

في ليلٍ يُلاحَق فيه النور، خرج النبي ﷺ من وطنه مطرودًا، لا مذنبًا، لكنه غادر مكة بقلبٍ يفيض حبًا لها، قائلًا: "لولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت".

???? أول الدروس: الثبات على الحق فرغم الأذى والمطاردة، لم يتزحزح الرسول ﷺ عن رسالته، فكانت الهجرة درسًا في أن التمسك بالمبدأ أغلى من الراحة والأمان، وأن الطريق إلى النور قد يبدأ من كهفٍ في جبل، كما كان الغار ملجأ النبوة.

???? التخطيط لا يناقض التوكل خرج النبي ﷺ ومعه الصديق رضي الله عنه، لكنه لم يخرج عشوائيًا. خطط للهجرة، اختار الدليل، وأعد الزاد، واختبأ في الغار، فالهجرة تعلِّمنا أن التوكل لا يعني التواكل، بل أن نأخذ بالأسباب ونعتمد على الله.

???? الإخاء أساس المجتمع عندما وصل النبي ﷺ إلى المدينة، أول ما فعله هو المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، ليُرسي بذلك قاعدة أن بناء الأمم لا يقوم إلا على التآخي والتكافل، لا على العصبيات ولا الانقسامات.

???? الهجرة فجرٌ جديد بدأ التاريخ الهجري بها، لا بولادة النبي ﷺ، ولا ببعثته، بل بالهجرة، لأنها بداية التحوّل من البلاغ الفردي إلى إقامة الدولة، ومن الضعف إلى التمكين.

???? الدروس المستمرة في زمننا هذا، لا تزال الهجرة تعلمنا أن النصر لا يكون إلا بعد البلاء، وأن الظلمة لا تقهر النور، وأن الطريق إلى التغيير قد يبدأ بخطوة، ولكنها إن كانت على درب الحق، فهي كفيلة أن تغيّر وجه العالم.

الهجرة ليست ذكرى، بل منهج حياة، ومن لم يهاجر من ذنبه إلى توبته، ومن جهله إلى علمه، ومن ضعفه إلى عزيمته… فما زال على هامش درب النور.