أيمن سلامة: حكومة الإنقاذ الانتقالية السورية .. الماهية والتحديات


مقدمة
حكومات الإنقاذ الانتقالية هي كيانات سياسية مؤقتة تُنشأ لإدارة المرحلة الانتقالية بعد انهيار الأنظمة الفاشية أو المستبدة. تهدف هذه الحكومات إلى تحقيق الاستقرار السياسي، إرساء أسس الديمقراطية، وضمان انتقال سلس للسلطة. ومع ذلك، تواجه هذه الحكومات تحديات قانونية وسياسية معقدة، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، بما في ذلك التعامل مع مطالب الشعب، ضمان وحدة الدولة، وإدارة العلاقات مع المجتمع الدولي ودول الجوار.
ماهية حكومات الإنقاذ الانتقالية
حكومة الإنقاذ الانتقالية هي حكومة مؤقتة تُنشأ عادة بُعيد الإطاحة بنظام سياسي مستبد نتيجة ثورة شعبية، تدخل دولي، أو انهيار داخلي. تتميز هذه الحكومات بعدة خصائص:
- المؤقتية: تتولى هذه الحكومات إدارة شؤون البلاد لفترة محددة، عادةً حتى يتم تنظيم انتخابات حرة أو اعتماد دستور جديد.
- الشرعية السياسية: غالباً ما تستمد شرعيتها من دعم شعبي واسع أو من توافق بين القوى السياسية الفاعلة.
- الولاية المحددة: تكون صلاحياتها محدودة، وتركز على مهام إصلاحية وإعادة هيكلة المؤسسات الأمنية والسياسية.
الإطار القانوني
تستند هذه الحكومات إلى إعلان دستوري مؤقت أو وثيقة تفاهم وطني، وتعمل في ظل فراغ مؤسساتي أو فراغ قانوني ناجم عن انهيار النظام السابق/ كما في الحالة السورية .
التحديات التي تواجه الحكومات الانتقالية
التحديات الداخلية
أ. إعادة بناء المؤسسات
تحتاج الحكومات الانتقالية إلى إعادة بناء المؤسسات التي تعرضت للفساد أو الانهيار، وتشمل هذه العملية الجيش، والشرطة، والقضاء، والأمن، والمؤسسات التشريعية والتنفيذية، مع التركيز على ضمان استقلاليتها وفعاليتها.
ب. تحقيق العدالة الانتقالية
إدارة ملفات العدالة الانتقالية تُعتبر من أهم التحديات، يشمل ذلك محاكمة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان، جبر الضرر للضحايا، والتصالح الوطني لضمان وحدة البلاد.
ج. المصالحة الوطنية
تواجه الحكومات الانتقالية تحدي رأب الصدع بين مكونات الشعب، لا سيما في المجتمعات التي تعرضت لانقسامات عرقية، دينية، أو سياسية عميقة.
التحديات الدولية
أ. الاعتراف الدولي
تحظى الحكومات الانتقالية باعتراف دولي بناءً على عوامل عدة، منها مدى شرعيتها الداخلية، توافقها مع القانون الدولي، والتزامها بالمعايير الديمقراطية.
ب. العلاقات مع دول الجوار
تعد العلاقات مع دول الجوار من القضايا الحاسمة،ففي الحالة السورية، تلعب تركيا وإسرائيل دوراً مهماً.
- تركيا:
- تركز على قضايا الأكراد، حيث تخشى من أي سيناريو يؤدي إلى استقلال كردي على حدودها.
- تتطلب العلاقات مع تركيا توازناً دقيقاً بين احترام حقوق الأكراد وضمان وحدة الأراضي السورية.
- إسرائيل:
- قضية الجولان المحتل تُعد تحدياً قانونياً وسياسياً كبيراً. يجب على الحكومة الانتقالية التمسك بالمطالب السيادية، مع إدارة العلاقات مع إسرائيل بحذر لتجنب أي تصعيد عسكري أو سياسي.
الاعتراف الدولي والمجتمع المدني
معايير الاعتراف
تُحدد الدول والمنظمات الدولية موقفها من الحكومات الانتقالية بناءً على:
- شرعيتها الداخلية: هل تتمتع الحكومة بدعم شعبي واسع وتوافق بين الأطراف الفاعلة؟
- التزامها بالقانون الدولي: يجب أن تظهر الحكومة التزاماً بمبادئ حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
- استعدادها لتنظيم انتخابات حرة ونزيهة: يُعد هذا معياراً رئيسياً لكسب ثقة المجتمع الدولي.
دور المجتمع المدني
يؤدي المجتمع المدني دوراً محورياً في دعم الحكومات الانتقالية من خلال:
- مراقبة الأداء الحكومي وضمان الشفافية.
- تعزيز مشاركة المواطنين في اتخاذ القرار.
- تقديم الدعم اللازم في مجالات التعليم، الصحة، وإعادة الإعمار.
تحديات دول الجوار: تركيا وإسرائيل
تركيا وقضية الأكراد
تعد قضية الأكراد في سوريا واحدة من أبرز التحديات التي تواجه الحكومة الانتقالية.
- الأكراد كلاعب داخلي: يشكل الأكراد قوة سياسية وعسكرية في شمال سوريا. تحتاج الحكومة إلى حوار شامل لتحقيق توافق معهم.
- تركيا كلاعب خارجي: ترى تركيا في تنامي القوة الكردية تهديداً لأمنها القومي، ما يفرض على الحكومة الانتقالية إيجاد صيغة توازن تحقق مصالح الأكراد دون استفزاز تركيا.
إسرائيل وقضية الجولان
الجولان المحتل يمثل ملفاً قانونياً وسياسياً معقداً.
- الموقف القانوني: يعتبر المجتمع الدولي الجولان أرضاً سورية محتلة.
- التحدي السياسي: تحتاج الحكومة الانتقالية إلى موقف قوي يرفض الاحتلال الإسرائيلي، مع العمل على بناء قنوات دبلوماسية غير مباشرة للحفاظ على استقرار المنطقة.
استراتيجيات التعامل مع التحديات
على المستوى الداخلي
- تعزيز الشفافية والمساءلة: ضمان عمل الحكومة في إطار شفاف يخضع للمساءلة القانونية والشعبية.
- تمكين الشباب والنساء: إشراك كافة مكونات المجتمع في عملية صنع القرار.
- إطلاق برامج تنموية عاجلة: توفير الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم لإعادة بناء الثقة بين الحكومة والشعب.
على المستوى الخارجي
- إعادة بناء العلاقات الدولية: تقديم الحكومة كجهة فاعلة ومسؤولة تسعى إلى تحقيق السلام والاستقرار.
- الاستفادة من الوساطة الدولية: يمكن لدول محايدة أو منظمات مثل الأمم المتحدة أن تلعب دوراً في تقريب وجهات النظر بين الحكومة ودول الجوار.
الخاتمة
تمثل حكومات الإنقاذ الانتقالية السورية أملاً جديداً لسوريا الخارجة من رحم الاستبداد، لكنها تواجه تحديات شائكة تتطلب إرادة سياسية قوية، دعم داخلي، وتعاون دولي فعال.
نجاح هذه الحكومات يعتمد على قدرتها على إدارة التحديات الداخلية والخارجية، وتحقيق التوازن بين تطلعات الشعب ومصالح القوى الإقليمية والدولية التوافق والتصالح مع كافة الأطياف، والطوائف المختلفة في سوريا، ولن يتحقق ذلك إلا كم خلال حوار وطني رشيد .