أيمن سلامة : الحل السياسي في سوريا ......هل ما زال ممكنًا أم فات الأوان؟


يعد التوصل إلى حل سياسي يحفظ وحدة سوريا وأمنها واستقرارها خيارا ضروريا، لكنه ليس مضمونًا، وتحقيق هذا الهدف يتطلب إرادة حقيقية من الأطراف المتنازعة ودعمًا دوليًا صادقًا لتجاوز المصالح الضيقة والالتفات إلى معاناة الشعب السوري.
ورغم أن الطريق إلى هذا الحل مليء بالعقبات، فإن البديل – استمرار الصراع أو انهيار الدولة – يحمل تكاليف أكبر بكثير على السوريين والمنطقة والعالم بأسره. الوقت لم ينفد تمامًا، لكن الفرصة تضيق مع كل يوم يمر دون تحرك جدي.
بعد أكثر من عقد على اندلاع الأزمة السورية، تحوّلت البلاد إلى مسرح لصراعات إقليمية ودولية معقدة، تجاوزت نطاق الثورة الشعبية ضد النظام إلى حروب بالوكالة بين قوى متنافسة.
ورغم أن الحل السياسي هو الخيار الأمثل، فإن العقبات التي تعترضه تجعل البعض يعتقد أن الوقت قد فات لتحقيقه. فهل هذا السيناريو ممكن أم أن الفرصة ضاعت بالفعل؟
مقومات الحل السياسي
التوصل إلى حل سياسي دائم يتطلب توافر مجموعة من المقومات الأساسية التي تضمن نجاح أي اتفاق أو عملية تفاوضية:
إرادة دولية وإقليمية موحدة: أي حل سياسي يستدعي توافقًا بين القوى الدولية والإقليمية المؤثرة في الصراع، مثل روسيا، الولايات المتحدة، إيران، وتركيا، لتجنب استمرار الحروب بالوكالة.
التزام الأطراف الداخلية: يجب أن يشارك النظام والمعارضة السورية في أي تسوية بحسن نية، مدركين أن الحل العسكري لن يحقق سلامًا دائمًا.
آلية انتقالية شاملة: تحتاج سوريا إلى خارطة طريق انتقالية تُشرك جميع الأطياف السياسية والاجتماعية، وتُحقق العدالة والمصالحة الوطنية.
ضمانات لسلامة ووحدة الأراضي السورية: من الضروري حماية سيادة سوريا ووحدة أراضيها، مع منع تقسيمها إلى كيانات متصارعة تخدم أجندات خارجية.
هل فات الأوان؟
رغم وضوح أهمية الحل السياسي، هناك عدة عوامل تجعل تحقيقه أكثر صعوبة اليوم مقارنة ببداية الأزمة:
تعمق الصراعات الإقليمية والدولية: سوريا أصبحت ساحة لتصفية الحسابات بين قوى كبرى مثل روسيا والولايات المتحدة، وأطراف إقليمية مثل إيران وتركيا وإسرائيل. هذه القوى لديها أهداف متباينة، مما يعقّد أي عملية سياسية شاملة.
تشرذم المعارضة والنظام: المعارضة السورية تعاني من الانقسامات والتأثيرات الخارجية، بينما يعاني النظام من اعتماد متزايد على إيران وروسيا، مما يقلل من استقلاليته السياسية.
تفاقم الأزمات الإنسانية والاجتماعية: أدى النزاع إلى نزوح ملايين السوريين وتدمير المدن والبنية التحتية، مما يجعل إعادة بناء الدولة تحديًا ضخمًا يتطلب موارد ضخمة وإرادة قوية.
صعود الفاعلين غير الدوليين: الجماعات المسلحة والجهاديون في سوريا أصبحوا لاعبين رئيسيين، وبعضهم يرفض أي تسوية سياسية، مما يزيد من الفوضى الأمنية.
ضعف الثقة بين الأطراف: تراكمات الحرب وجرائمها خلقت فجوة كبيرة من عدم الثقة بين الأطراف المتنازعة، مما يجعل الوصول إلى توافق حقيقي أمرًا صعبًا.
لماذا قد يكون الحل ممكنًا؟
رغم الصعوبات، لا يزال هناك بصيص أمل يمكن البناء عليه لتحقيق حل سياسي، خاصة إذا توافرت العوامل التالية:
ضغوط دولية لإنهاء الصراع: استمرار الأزمة السورية يُهدد أمن واستقرار المنطقة بأكملها، مما قد يدفع المجتمع الدولي إلى التدخل بجدية أكبر لدعم الحلول السياسية.
الإرهاق من الحرب: جميع الأطراف السورية والإقليمية تعاني من تبعات الحرب اقتصاديًا وسياسيًا، مما قد يدفعها للبحث عن مخرج تفاوضي.
مبادرات أممية وإقليمية: الأمم المتحدة ودول مثل تركيا وروسيا تعمل على إطلاق مسارات تفاوضية (مثل عملية أستانا وجنيف) يمكن أن تُمهد لحلول مقبولة من الأطراف.
إعادة الإعمار كحافز: إعادة إعمار سوريا قد تكون عنصر جذب للأطراف الدولية والإقليمية، بشرط أن يتم التوصل إلى تسوية سياسية تُحدد أطر هذه العملية.
سيناريوهات المستقبل
إتمام الحل السياسي: إذا استطاعت القوى الدولية فرض إرادتها، وتمكنت الأطراف السورية من تجاوز خلافاتها، قد يشهد العالم عملية انتقال سياسي تدريجي تحفظ وحدة سوريا وسلامة مواطنيها.
تجميد الصراع دون حل جذري: قد تستمر سوريا في حالة "اللاحرب واللاسلم"، حيث تستقر خطوط القتال دون تحقيق تسوية حقيقية، مما يؤدي إلى تقسيم فعلي على الأرض.
استمرار الفوضى والانهيار: إذا فشل المجتمع الدولي في التحرك، واستمرت الصراعات الداخلية والخارجية، قد تدخل سوريا في مرحلة انهيار شامل، مما يعرض وحدتها وسيادتها للخطر.