أيمن سلامة : هل سقوط الأسد يعيد رسم خريطة الشرق الأوسط؟


يبرز المشهد السوري مرة أخرى كميدان حيوي للتنافس الإقليمي والدولي، ، مما يشير إلى تغييرات محتملة في موازين القوى على الأرض، ويقترن هذا التقدم بتحولات المصالح الروسية في أوكرانيا، يثير قلق إسرائيل وتركيا من إمكانية سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، وهو سيناريو يحمل تداعيات استراتيجية عميقة على الوضع الإقليمي والدولي.
التقدم الميداني للمتمردين وتأثيره على النظام
التقدم السريع للمتمردين المسلحين في سوريا، لا سيما في المناطق الوسطى كحماة وربما لاحقًا حمص، يمثل تحديًا وجوديًا لنظام الأسد. يُعد وسط سوريا منطقة استراتيجية تربط العاصمة دمشق بالساحل السوري، حيث تتركز القواعد الروسية وقواعد الدعم للنظام، وإذا فقد النظام السيطرة على هذه المناطق، فقد يتعرض لخسائر فادحة في قدرته على السيطرة، مما يجعل احتمالية سقوطه أكثر واقعية.
تهديد الممرات الاستراتيجية:
جلي أن السيطرة على حماة تهدد الممر الحيوي بين دمشق وحلب، الذي يُعتبر شريانًا رئيسيًا للنظام، وفي ذات السياق إذا انتقل المتمردون نحو حمص، فإن ذلك يعزل دمشق عن باقي المناطق ويضعف التنسيق العسكري بين وحدات النظام.
تتقاطع المصالح الروسية في سوريا مع أولوياتها في أوكرانيا، فمع تصاعد التوترات بين روسيا والغرب حول الحرب الأوكرانية، يبدو أن موسكو قد تُقلص من مواردها المخصصة لدعم الأسد.
انشغال روسي: قد يؤدي تركيز روسيا على أوكرانيا إلى تقليل دعمها العسكري واللوجستي للنظام السوري، مما يمنح المتمردين فرصة أكبر لتحقيق تقدم ميداني.
تقارب روسي-تركي: روسيا بحاجة إلى الحفاظ على علاقات جيدة مع تركيا، التي تلعب دورًا محوريًا في الشرق الأوسط وأوكرانيا. يمكن أن يدفع هذا التقارب موسكو إلى تقديم تنازلات في سوريا، مثل الحد من دعم الأسد أو قبول تسويات تتماشى مع المصالح التركية.
المخاوف الإسرائيلية
تنظر إسرائيل بقلق بالغ إلى التحولات في سوريا، وعلى الرغم من أن سقوط الأسد قد يبدو في ظاهره مكسبًا لها، إلا أنه يحمل مخاطر عدة:
فراغ السلطة: إذا انهار النظام، قد يفتح ذلك المجال أمام تنظيمات جهادية أو ميليشيات أخرى معادية لإسرائيل للتمدد في الجنوب السوري قرب الجولان.
تهديد الأمن القومي: إسرائيل تعتمد على سياسة "الخطوط الحمراء" لضمان عدم تهديد أمنها، مما قد يدفعها إلى تكثيف عملياتها العسكرية داخل الأراضي السورية إذا شعرت بتهديد متزايد.
الموقف التركي
تركيا، بدورها، تُراقب الموقف عن كثب، حيث ترتبط مصالحها بعدة عوامل في سوريا:
تهديد الأكراد: انهيار النظام قد يُعزز من قوة الفصائل الكردية، التي تعتبرها تركيا تهديدًا لأمنها القومي.
أزمة اللاجئين: تركيا تستضيف بالفعل ملايين اللاجئين السوريين، وأي تصعيد جديد قد يؤدي إلى تدفق موجات جديدة من اللاجئين.
التداعيات الإقليمية والدولية
التغيرات في سوريا لن تؤثر فقط على الأطراف الإقليمية مثل إسرائيل وتركيا، بل ستترك آثارًا واسعة على المستوى الدولي:
تزايد نفوذ المسلحين : عودة الجماعات الجهادية إلى الواجهة قد يُعيد إشعال التهديد الإرهابي عالميًا، مما يدفع الدول الكبرى لإعادة النظر في استراتيجياتها.
انحسار النفوذ الروسي: إذا تراجعت روسيا عن دعم الأسد، فقد تستغل الولايات المتحدة هذه الفرصة لتعزيز وجودها في الشرق الأوسط.
تعاظم النفوذ الإيراني: قد تحاول إيران استغلال ضعف النظام السوري لزيادة نفوذها، مما يؤدي إلى صدام أكبر مع إسرائيل والولايات المتحدة
السيناريوهات المحتملة
تعزيز النظام بمساعدة إيرانية: قد تُسرع إيران من دعمها للنظام لتعويض الانسحاب الروسي الجزئي، مما يؤدي إلى تصعيد المواجهة مع إسرائيل.
تسوية دولية: قد تتدخل الأطراف الكبرى، بما في ذلك روسيا وتركيا والولايات المتحدة، للوصول إلى تسوية سياسية تُجنب انهيار النظام وتُحافظ على استقرار المنطقة.
فوضى عارمة: إذا استمر تقدم المتمردين دون تدخل حاسم، فقد تدخل سوريا مرحلة جديدة من الفوضى، مع تعاظم دور الجماعات المسلحة.
الخاتمة
تشكل التطورات الأخيرة في سوريا نقطة تحول قد تُغير ملامح الصراع الإقليمي والدولي. تقدم المتمردين نحو الجنوب، مقرونًا بتغير أولويات روسيا، يُثير مخاوف عميقة لدى كل من إسرائيل وتركيا، ما يجعل احتمالية انهيار الأسد أمرًا ذا تداعيات كارثية.
المطلوب الآن هو استجابة استراتيجية شاملة من الأطراف المعنية لاحتواء الموقف وضمان استقرار المنطقة على المدى الطويل.
كاتب المقال : ضابط الإتصال السابق في حلف الناتو في البلقان