أيمن سلامة : أوكرانيا تضرب العمق الروسي بصواريخ ”أتاكمز” تصعيد غير مسبوق


في تصعيد جديد يضاف إلى فصول النزاع الروسي-الأوكراني المستمر منذ فبراير 2022، أطلقت أوكرانيا صواريخ بعيدة المدى على منشأة عسكرية روسية في منطقة بريانسك الحدودية. ويأتي هذا الهجوم بعد حصول كييف على الضوء الأخضر من واشنطن لاستخدام صواريخ "أتاكمز" الأميركية التكتيكية، وهو ما يُعد نقطة تحول استراتيجية في الصراع، ويثير تساؤلات عديدة حول التداعيات المحتملة، خاصة بعد تصريحات دولية متباينة تدعم التصعيد أو تحذر منه .
تطورات ميدانية وتحول استراتيجي
أعلنت وزارة الدفاع الروسية في بيان لها أن أوكرانيا أطلقت ستة صواريخ "أتاكمز" بعيدة المدى، مستهدفة منشأة عسكرية في بريانسك، وهو هجوم وصفته موسكو بأنه الأول من نوعه باستخدام هذا النوع من الأسلحة الأميركية المتطورة.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ردّ باتهامات صريحة للولايات المتحدة بالتورط المباشر في التصعيد عبر تزويد أوكرانيا بأسلحة حديثة. وتوعد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بـ"رد مناسب"، مشيراً إلى أن العقيدة النووية الروسية المحدثة، التي تضمنت استراتيجيات استخدام الأسلحة النووية، ستكون محوراً لفهم الرد الروسي المحتمل.
الدور الأميركي والأوروبي في التصعيد
الولايات المتحدة، التي وافقت مؤخراً على إرسال صواريخ "أتاكمز" إلى أوكرانيا، تعتبر هذه الخطوة جزءاً من التزامها بدعم كييف في مواجهة ما تصفه بـ"العدوان الروسي". الرئيس الأميركي جو بايدن أكد أن هذه الأسلحة تهدف إلى تعزيز قدرة أوكرانيا على الدفاع عن أراضيها، ولكن سماحه باستخدامها لاستهداف العمق الروسي يثير قلقاً عالمياً بشأن احتمال انزلاق النزاع إلى مواجهة مباشرة بين القوى الكبرى.
في السياق ذاته، أبدى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دعماً علنياً لتوسيع نطاق العمليات الأوكرانية، بما في ذلك استهداف مواقع استراتيجية داخل روسيا. تصريحات ماكرون عكست تحولاً في السياسة الأوروبية تجاه الصراع، حيث يبدو أن الدعم لم يعد مقتصراً على تقديم الأسلحة بل شمل تشجيع العمليات الهجومية.
التداعيات الإقليمية والدولية
تصعيد العمليات الأوكرانية بدعم غربي يهدد بتغيير قواعد اللعبة في الحرب. فمنذ بداية النزاع، حرصت القوى الغربية على تجنب استفزاز موسكو بشكل مباشر، ولكن استخدام صواريخ أميركية لضرب العمق الروسي يعد تصعيداً نوعياً قد يدفع الكرملين إلى اتخاذ خطوات غير متوقعة.
العقيدة النووية الروسية: أداة للردع أم تهديد مباشر؟
مع تصاعد الهجمات الأوكرانية بدعم غربي، أعاد الكرملين التأكيد على عقيدته النووية المحدثة. وتبرز في هذه العقيدة إمكانية استخدام الأسلحة النووية لحماية سيادة روسيا ومصالحها الاستراتيجية. موسكو تدرك أن مثل هذه التهديدات تحمل مخاطر جمة، ولكنها ترى فيها ضرورة لكبح ما تصفه بـ"التحريض الغربي".
لافروف دعا الغرب إلى قراءة العقيدة النووية الروسية "كاملة"، محذراً من تجاهل الخطوط الحمراء التي قد تؤدي إلى عواقب كارثية على الأمن العالمي.
خيارات الرد الروسي
في ظل الضغوط المتزايدة، تبدو روسيا أمام خيارات محدودة لكنها محفوفة بالمخاطر.
الرد العسكري المباشر: موسكو قد تصعد عملياتها ضد البنية التحتية الأوكرانية الحيوية، بما في ذلك المنشآت العسكرية والمدنية، لإضعاف قدرة كييف على شن هجمات مماثلة.
التصعيد النووي المحدود: رغم خطورة هذا الخيار، لا يمكن استبعاده في حال تعرض المناطق الروسية الاستراتيجية لهجمات مكثفة.
الحرب السيبرانية: روسيا قد تلجأ إلى تكثيف هجماتها الإلكترونية لتعطيل الأنظمة العسكرية الأوكرانية والدول الداعمة لها.
الأفق السياسي: هل من حلول؟
التصعيد الأخير يعقد المشهد السياسي ويقلل فرص الحوار. فمن جهة، تعتقد أوكرانيا أن العمليات الهجومية هي السبيل الوحيد لاستعادة أراضيها والدفع بموسكو نحو طاولة المفاوضات بشروط كييف. ومن جهة أخرى، ترى روسيا أن أي تراجع عسكري يعني تهديداً وجودياً.
المجتمع الدولي، وخاصة الأمم المتحدة، يواجه تحدياً هائلاً في الوساطة بين الأطراف. محاولات سابقة لإعادة فتح قنوات الحوار لم تحقق نجاحاً يذكر، خاصة مع إصرار الطرفين على مواقف متشددة.
ختاما، مع الدعم الأميركي والأوروبي المتزايد لكييف يعكس توجهاً استراتيجياً لتقويض النفوذ الروسي، ولكنه في الوقت ذاته يحمل مخاطر جدية باندلاع مواجهة شاملة.
في ظل هذه التطورات، يظل السؤال الأهم: هل سيؤدي هذا التصعيد إلى فرض واقع جديد يجبر الأطراف على التفاوض، أم أنه سيشعل فتيل صراع أوسع؟ الأيام المقبلة ستكون حاسمة في تحديد ملامح هذا النزاع الذي بات يمثل تهديداً للأمن والاستقرار الدوليين.