الجمعة 29 مارس 2024 02:54 مـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

المقالات

الكاتب الصحفي مصطفى جمعة يكتب: عَصَايَ لِيَ فِيهَا”مَآَرِبُ أُخْرَى”

الكاتب الصحفي مصطفى جمعة
الكاتب الصحفي مصطفى جمعة

"العصا"من يد اوزيريس الي… باريس

(. من المستطيل الأخضر باستاد ناصر الدولي بمدينة نصر في القاهرة الى مسرح البالون بالعجوزة في الجيزة مسافة لا تتجاوز عشرات الكيلومترات على الارض ، ولكن بالنسبة لنا كفرقة قنا للفنون الشعبية بمثابة رحلة الي القمر انتقلنا فيها من الثرى الي الثريا ،من تقديم عروض للمنافسة من اجل الحصول على كأس الجمهورية الي التفرد عن سائر الفرق في مصر سواء الكبيرة المحترفة او الصغيرة الطموحة لتقديم عرض خاص امام رئيس الجمهورية المغفور له بإذن الله انور السادات في العيد الاول لانتصار اكتوبر المجيد١٩٧٣.

وكانت الرقصة التي قدمنها"القلل القناوي" مفأجاة من استاذ تنظيم المهرجانات ومدير عام استاد ناصر حينذاك حسن أمين للرئيس السادات فيً الاحتفال الضخم ،وهي المفأجاة التي أسعدت بطل الحرب والسلام وإعادته لسنوات مضت عاش فيها في قنا متخفي هروبا من مطاردات الإنكليز والبوليس السياسي "مباحث أمن الدولة"وكانت "القلة"سلاحه لكي "يبل ريقه" بشربة ماء باردة ونقية للتغلب على درجة الحرارة العالية فيها ، وعقب انتهاء الرقصة حرص الرئيس السادات على مصافحة أعضاء فرقة قنا بحميمية شديدة وفرح كثيرا بالهدية التي قدمناه وكانت عدد من"القلل"وطلب من مرافقيه ان يحرصوا على نقل "قلة حبنا"الي بيته في الجيزة خلف الشيراتون.

وفي العجوزة على مسرح البالون قدمنا (٥) رقصات ،الاولى الرقصة الدينية والتي اتخذها التلفزيون المصري لسنوات طويلة مضت "تتر" عرض البرامج الرمضانية ،والرقصة الثانية كانت"الربابة"التي لفتت انتباه السفراء الأجانب الذين حضروا الحفل وتسابقوا لتقديم الدعوات للفرقة في تقديم هذه العروض في بلادهم وبصفة خاصة السفير الفرنسي الذي تقدم بطلب رسمي بخط يده الي المخرج الكبير عبد الرحمن الشافعي مدير عام المهرجان ، والرقصة الثالثة "القصب" وبعدها كانت الرقصة الرابعة "البلاليص" وتقول كلماتها"رص معايا ياود ياعويس .. حاسب بس علي البلاليص".

اما الرقصةالخامسة التي أقامت الدنيا ولم تقعدها كانت رقصة التحطيب لدرجة ان الفنان الكبير محمود رضا نجم نجوم فرقة رضا ومصمم رقصاتها صعد الي المسرح لتقديم التهنئة للإجادة وكال المدح والثناء لاعضاء الفرقة سواء الراقصين والرقصات الذين استعرضوا المهارات من حيث مرونة الجسد، والقدرة على التحكم فى العصا. على إيقاعات المزمار، والطبل، والدفوف اوالمصمم وقائد الفرقة الموسيقيةوالعازفين الذين عزفوا الأغنية المصاحبة للرقصة التي تقول كلماتها التي رقص عليها راقصيها "انا صعيدي وأبويا صعيدي من قنا ،فخر واصل ونسب من زينا، لو لفيت الدنيا من شرقها لغربها ما تلاقي مثلنا" ، وكان لهذه الرقصة دورا كبيرا في لفت انتباها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" في اضافة"التحطيب"إلى قائمتها التمثيلية للتراث الثقافي للبشرية

والرقصة مستلهمة من الصراع الذى نشب فى أسطورةأوزيريس"بين إبنه "حورس" و"ست" والذي ادى الي قتالاً مروعاً بين إلهى النور والظلمات ،والذى كان يمثل فيه النور «رع» ،بينما كان «إله الظلمات» هو ست وأوزيريس «إله الموت» وفى نفس الوقت «إله الحياة»،وجسده الذى تقطع إلى أشلاء يمثل رمزاً للعبور من مجال الزمان والمكان إلى عالم الحياة الأبدية.

ومعظم الخطوات التي جسدتها فرقة قنا في هذه الرقصة منقوشة في لوحة على قدر كبير من الجمال في مقبرة "خيرويف" بالعساسيف في البرالغربي للأقصر والتي تعد مرجع في أساليب التأمل الحركى، وضمان التوازن بين الجسد والروح.

و"رقصة التحطيب" هي درة رقصات فرقة قنا للفنون الشعبية التي كانت في يوم من الايام واحدة من الفرق الأربعة الأوائل في بر الحبيبة مصر بعد فرق رضا والقومية والبحيرة والتي تأسست في أوائل ستينات القرن الماضي ،

والتحطيب أداة ورمز، واللعبة لها جذورها في التراث الصعيدي من عمق ديني أولا " هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى"،وثانياً من عمق استراتيجي حيث كانت سببا من أسباب انتصارنا على الهكسوس عندما اجتاح الغزاة بر المحروسة لمدة 100 عاما حتى قاد احمس الاول الجيش المصري لطردهم ليؤسس بداية حكم الاسرة الثامنة عشرة لمصر الموحدة، وهي الأسرة التي ابتدأ بها عصر المملكة الحديثة في 1558ق.م .

كان عند الهكسوس بريمر"الحاكم الأمريكي للعراق بعد احتلالها"الذي فكك الجبوش ومنع حمل السلاح ...لكن على مين...المصريين هم ام الاختراع ...وابتدعوا التحطيب للتدريب وكانوا اول من علموا الانسانية التدريب على النماذج لتقريب الحقيقة.

وتعد لعبة التحطيب إحدى الظواهر الشعبية فى الصعيد التى ترمز فى مجملها إلى القيمة نفسها؛ وهى البطل الشعبى ابن النيل فى مواجهة التحدى وتحقيق الانتصار.

والتحطيب لعبة الشجعان قديمة قدم التاريخ بل بدات قبل ظهور الحضارة نفسها و تركت لنا العصور الحجرية القديمة وعصور ما قبل التاريخ العديد من الرسوم المنقوشة على صخور التلال الحجرية للمعابد المتناثرة فى مصر بامتداد النيل وبصفة خاصة على جدران معبد الكرنك ومنها خرجت جميع أنواع العاب المبارزة .

وكانت العصا "الشومة" فى اول ظهورها من عيدان الغاب الذى ينمو على شواطىء النيل ثم استعملت عيدان سعف النخيل وعندما أنتقلت الى المدن صنعت لها عصى خاصة فى الدولة الوسطى فظهرت أشكال مختلفة للعصى اختلفت فى الطول والسمك وقد ينزل اللاعب الى المبارزة بعصاتين واحدة يضرب بها وأخرى يرد بها ضربات خصمه .

والتحطيب لعبة لا تقتصر على الإمساك بالعصا فقط بل لها قواعد واسس يجب ان يعيها جيدا من يرغب في ممارستها والا يتعرض اللاعب للسخرية من الآخرين، وقد تصل في بعض الأحيان للقتل.

تبدأ اللعبة بتكوين حلقة دائرية من المتفرجين من جميع الاتجاهات في وضع الجلوس على الأرض أو الوقوف، ويكون بداخل الحلقة مُحكّم يفصل بين المتخاصمين في حالة حدوث مشاجرة أو اختلاف بينهما، ثم يبدأ المبارز أولا بالتحية لمنافسه باستخدام العصا، ويستمران في المبارزة، وفي النهاية بعد فوز أحدهما يتعانق اللاعبان، ويشارك الجمهور الفائز في الرقص على أنغام المزمار،

وهناك شرط أساسي لا بد من الالتزام به لدخول حلقة المنافسة في هذه اللعبة وهو ارتداء الجلباب الصعيدي الشعبي، ومن دونه لا يمكن لأي شخص أن يشارك في اللعبة.

ووصف موقع اليونسكو على الإنترنت التحطيب قائلا "كان أحد أشكال الفنون القتالية في مصر القديمة، ويعد اليوم من الألعاب الاحتفالية التي حافظت على جزء من الرموز والقيم المرتبطة بممارستها".

وأضاف الموقع "تؤدى هذه المباراة أمام جمهور من المشاهدين حيث يقدم المتبارزون على أنغام الموسيقى الشعبية عرضا قصيرا للحركات غير العنيفة باستخدام عصا طويلة. وتمارس هذه اللعبة من قبل الذكور الذين غالبا ما يكونون من سكان محافظات الصعيد في مصر العليا".

وتابع الموقع "تقوم قواعد المبارزة على الاحترام المتبادل والصداقة والشجاعة والفروسية والفخر. ويتم تناقل فنون هذه المبارزة في العائلات والمجتمعات والبيئة المحيطة".

الكاتب الصحفي مصطفى جمعة