الثلاثاء 30 أبريل 2024 03:20 مـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

المقالات

أيمن سلامة : نيتين ياهو يهدم المبدأ الأساس للقانون الدستوري ...... الفصل بين السلطات

النهار نيوز

ليس هناك أي نظرية بالإضافة إلى نظرية التمثيل شيدت بناء النظام الدستوري و السياسي في آن كنظرية فصل السلطات؛ وتعود الملامح و اللبنات الأولي لنظرية الفصل بين السلطات إلي نهاية القرن السابع عشر، بيد أن هذه النظرية ارتبطت دائماً بمونتسكيو ومؤلفه "روح الشرائع" الذي ظهر في عام 1748 .

سريعاً أضحي مبدأ الفصل بين السلطات مشاركا حاضرا في بناء النظم الديمقراطية بالمعنى المعاصر للتعبير إلى درجة أن إعلان حقوق الإنسان الفرنسي في عام 1789 نص في بنده السادس عشر أن : " أي مجتمع لم يتحدد فيه مبدأ فصل السلطات ليس له دستور إطلاقاً؛ وبذلك شغل المبدأ حيزا كليا في التطور الدستوري لجميع النظم السياسية المختلفة لكافة الدول .

أحد أهم الدروس المأخوذة عن مونتسكيو : إن فكرة نظام سياسي مثالي ، كالنموذج البريطاني دونها مونتسكيو حين أعد سفره الأشهر بين عامي 1729 و 1730؛ فاستخرج من هذه الملاحظة إظهار ما هو ضروري لحل التناقض فابتدع ضرورة إيجاد التوازن المتجانس بين السلطات المختلفة في الدولة. وهناك حسب المنطق الشكلي الدستوري الذي أسسه الفقيه مونتسكيو ثلاث مراحل: إعداد القانون، وتطبيقه، وتسوية الخلافات التي يطبق عليها؛ وبالتالي هناك ثلاث وظائف يجب أن يعهد بها إلى ثلاث هيئات مختلفة مستقلة كل واحدة عن الأخرى.

وهكذا فإن الإعداد، وهو الوظيفة التشريعية، يُناط بجمعية أو بجمعيات تمثيلية للجسم أو الهيئة الاجتماعية، والتطبيق وهو الوظيفة التنفيذية يُناط بالملك أو ببديله وبالوزراء، وتسوية الخلافات وهي الوظيفة القضائية وتناط بالقضاة.

إذن هناك ثلاث سلطات، أو بالأحرى ثلاث قدرات حسب التعبير الأصح وهو تعبير مونتسكيو، يجب أن تكون منفصلة في مصدرها، وفي حقول النشاط، وفي العلاقات المتبادلة، ولتلطيف مخاطر الجور من سلطة علي سلطة أخري، فإن السلطة توقف السلطة، ذلك بأنه لكي تكون هناك قابلية للتطبيق على المواطن يجب توافق السلطات الثلاث، فإذا تم ذلك تكون المخاطر ضعيفة لأننا نكون أمام ما سماه "روسو" فيما بعد الإرادة العامة .

يجب إذا فصل السلطات الثلاث، وبشكل رئيسي التشريعية والتنفيذية طالما أن استقلالية السلطة القضائية أسهل في تحقيقها ، وكان ذلك الخط الموجه للأبنية الدستورية في نهاية القرن الثامن عشر، وبخاصة الدستور الأميركي لعام 1787 الذي ألَحّ على الفصل بين السلطات في الأساس، وعلى تحديد الوسائل المتبادلة للعمل، وكذلك للحركة التي ستتبع ذلك حتى أيامنا .

إن الهدف الحقيقي من مبدأ الفصل بين السلطات هو السعي وراء التنسيق الأفضل بينهم ، وهكذا يجب استبعاد تمكين السلطة التشريعية من السيطرة على السلطة التنفيذية، و إذا لم يكن هناك ملك على الإطلاق وكانت القدرة التنفيذية منوطة بعدد معين من الأشخاص من الهيئة التشريعية، فلن تكون هناك حرية على الإطلاق.

وهكذا فإن الملكية المعتدلة عن طريق استقلال السلطة القضائية والتمثيل هي النظام المأمول، وعليها أن تتكون بطريقة مزدوجة، عن طريق مجلس أعلى للنبالة، ومجلس أدنى ، وهو عامل توازن للتمثيل يتيح للملك أن يكون حكماً وملزماً بهذا الواقع بالاعتدال ، وهذه هي جوهر الملكية، أمير محمي من تجاوزاته بأنظمة امتيازية ، وأوامر للأمير تحميها رفعته ،وأمير محمي من الشعب، وشعب محمي من الأمير عن طريق هذه الأوامر ذاتها وكل شيء يأتي من الرقابة المتبادلة بين السلطات.

وعلى مبادئ كهذه جرى بناء الدستور الأميركي لعام 1787 ، سلطة مركزية حقاً محدودة إلى حد ما، كي لا تكون مضطهدة كالسلطة الاستعمارية أو تنازع البورجوازيات المحلية للولايات في الاتحاد استقلاليتها، أو الدساتير الثورية الفرنسية أو مشروع 1789 أو دستور عام 1791 : تحديد السيادة الملكية بتأكيد السيادة الوطنية، وبهذا بحد ذاته دور سياسي مركزي للجمعية وبالتالي للبورجوازية. يجب أن نشير إلى أن كليهما يجعلان من النقض أداة التوازن والاعتدال .

إن فصل السلطات بالتأكيد يبقى إمرة مطلقة : كل مجتمع لا يكون فيه فصل للسلطات . . . » ؛ فهل يمكن من أجل ذلك التمسك كما فعل لمدة طويلة جداً، القانون الدستوري، بأنه ليس هناك مجال للاهتمام إلا بالأنظمة المبنية على الفصل، وأن النماذج الثلاثة الكبرى الرئاسي وحكم التنفيذيين والنيابيين تنبع من النظرية؟ إن الاقتراح خاطئ بشكل مزدوج : هناك أنظمة أخرى تستحق الاهتمام وللنماذج التقليدية الكبرى علاقات بعيدة بالنظرية الأصلية للفصل.

إن ذلك ينطبق على النظام الرئاسي طالما أن النموذج الأصلي الأميركي مستوحى مباشرة من الأب المؤسس ؛ وبالنسبة إلى حكم المديرين التنفيذيين فقد رفضه مونتسكيو صراحة، وأخيراً من الغريب نسبة النظام النيابي إلى النظرية طالما أن العكس في الحقيقة هو الصحيح، إذ إن ملاحظة السلف الانكليزي للنظام النيابي غير القائم نهائياً بعد انتجت النظرية وفي الواقع يجب أن نرى في النظام النيابي أكثر من غيره نتيجة تطور تاريخي طويل، وإنما يجب تسويغه من وجهة نظر الفصل على اعتبار أن الفصل أصبح، فكروياً، مشاركاً الديمقراطية في الجوهر .بناء على ذلك، حتى ولو كان من المناسب تعزيز الواقع إن نظرية فصل السلطات في أسطورتها كان لها ولها أهمية كبرى إنها تركت مذهباً لا نزاع فيه هو مذهب استقلال السلطة القضائية. وفي ما يتعلق بالسلطة التنفيذية والسلطة التشريعية إن علاقاتهما أكثر تعقيداً، ويجب التساؤل تماماً يوماً ما عما إذا كان في أي حال من المنطقي جعل المجلس النيابي مثلاً، في آن معاً، مكان دعم السلطة ومكان انتقادها . . . أما الاعتدال فإذا كان أمراً ضرورياً بحد ذاته يجب عدم إغفاله، فليس من الأكيد أن يكون هذا الهدف الجوهري عند مونتسكيو، في كل زمان وكل مكان بداية الأنظمة السياسية ونهايتها.

جليّ أن الفصل بين السلطات، وهو عنصر مهم في كافة الأنظمة السياسية الديمقراطية الحديثة قاطبة، ويتطلب الفصل بين الفروع الثلاثة للحكومة: التنفيذية والتشريعية والقضائية، ولا غضاضة إن شبهنا السلطات الثلاثة بخيول ثلاثة تجر الدولة وكل ذلك لعدم تركز تلك السلطات في يد واحدة لمنع إساءة استخدام السلطة، ويعرف ذلك أيضاً باسم نظام الضوابط والتوازنات، ويتم منح كل فرع صلاحيات معينة للتحقق من الفروع الأخرى وتحقيق التوازن بينها، ولذلك في الوقت الذي تظهر فيه حكومة القضاء في أي دولة تختل مكانة الدستور بوصفه القانون الأعلى في البلاد وتختل مكانة القضاة وبالتبعية مكانة مرفق العدالة كليةً لأن القضاء في هذه الحالة خرج عن كونه سلطة قضائية حامية للحقوق والحريات إلى سلطة صاحبة مصالح تتحرك لحمايتها مقدمة بذلك للمصلحة الخاصة عن تلك العامة.

يحاول نتنياهو الآن ومعه وزير العدل الإسرائيلي الدفع بتعديلات على النظام القضائي من شأنها أن تمنح الحكومة نفوذاً حاسماً في اختيار القضاة وتحد من سلطة المحكمة العليا في إلغاء القوانين, وأمام ذلك تمت اقالة وزير الدفاع الإسرائيلي لمعارضته للتعديلات الواردة على التنظيم القضائي الإسرائيلي وتبع ذلك مؤازرة شديدة من معظم أسلحة الجيش الإسرائيلي وكذلك من المعارضة الإسرائيلية ذاتها، وقد رصد على مواقع التواصل الاجتماعي عبارات مثل: "من العار أن يقبل الآن أي ضابط إسرائيلي منصب وزير الدفاع!" و "أن وزير العدل الإسرائيلي أشعل الشرارة الأولى من الحرب الأهلية الإسرائيلية بما فعله!" فالجبهة الإسرائيلية الآن ما بين راغبين في تقليص القضاء وداعمين لحماية استقلاله من عبث السلطتين التشريعية والتنفيذية .