أيمن سلامة : القتل بدقة و تقليل الأعراض الجانبية ........ درس أيمن الظواهري .

سقط صاروخان على شرفة المنزل الذي كان مختبئا فيه أيمن الظواهري قائد تنظيم القاعدة الإرهابي ، مما أسفر عن مقتل الرجل البالغ من العمر 71 عامًا ولكن نجت زوجته وابنته في الداخل ، حيث كانت جميع الأضرار الناجمة عن الضربة الدقيقة بواسطة الطائرة المسيرة التي نفذتها الاستخبارات الأمريكية تركزت على الشرفة.

على الرغم من أنه لم يكن قائداً عملياتياً مثل بن لادن ، فقد قدم الظواهري إرشادات استراتيجية لشبكة تنظيمات القاعدة المنتشرة على نطاق واسع - وحثها باستمرار على مهاجمة الوطن الأمريكي - وكان أحد الأشخاص القلائل الباقين الذين يمكن أن يكونوا بمثابة اللحام اللاصق لتثبيت الشبكة الإرهابية معًا .

لا يمكن ربط دوافع و أغراض مراعاة الحيطة وتوخي الدقة في الضربة والتخطيط المحكم لها علي مدار أشهر بمعاونة العملاء المحليين بالطبع ، ودون استرجاع الانتقادات الشديدة التي واجهتها الولايات المتحدة في السنوات التي أعقبت أحداث 11 سبتمبر عام 2001 بسبب الضربات وأخطاء الاستهداف التي أدت إلى مقتل الكثير من المدنيين.

في ذات السياق ، فالنجاح الأمريكي الذي لم يقتصر فقط علي قطف الثمرة الثمينة و لكن أيضا تجنب إلحاق أي ضر جانبي بأي ثمار أو أشجار أخري أي تجنب الأضرار الجانبية في صفوف المدنيين لأقصي حد ، سيمثل حافزا كبيرا لقيام الولايات المتحدة بالمزيد من الضربات في دول ومناطق أخري في العالم .

كان نوع الصاروخ المستخدم من نوع صواريخ جو - أرض التي أصبحت عنصرًا أساسيًا في عمليات مكافحة الإرهاب الأمريكية في الخارج في العقود منذ 11 سبتمبر عام 2001، و الذي يمكن إطلاقه من مجموعة متنوعة من المنصات ، بما في ذلك المروحيات والمركبات الأرضية والسفن والطائرات ذات الأجنحة الثابتة ، أو في حالة الظواهري ، من طائرة بدون طيار ، ويُعتقد أن الولايات المتحدة استخدمت صاروخ "حرائق الجحيم " لقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني في بغداد في أوائل عام 2020 ، وجهادي تنظيم الدولة الإسلامية المولود في بريطانيا والمعروف باسم "الجهادي جون" في سوريا في عام 2015 ، أما في عام 2017 فقد قُتل زعيم آخر للقاعدة وأحد نواب الظواهري ، أبو خير المصري ، في سوريا، وقد ظهرت صور سيارة أبو خير المصري التي التقطت بعد الضربة أن الصاروخ أحدث فجوة في السقف ومزّق ركابها ، لكن من دون آثار انفجار أو أي دمار آخر للسيارة

هناك إجراءات متسلسلة واضحة يجب على طاقم تشغيل الطائرة بدون طيار اتباعها قبل اتخاذ أي إجراء لتقليل مخاطر وقوع إصابات في صفوف المدنيين، و في الضربات العسكرية الأمريكية السابقة أو هجمات السي آي إيه ، شمل ذلك استدعاء مستشارين عسكريين للتشاور قبل إصدار الأمر بإطلاق النار.

كان على المسؤولين أن يوازنوا بين خطر وفيات المدنيين – الضرر الجانبي - وقيمة الهدف المستهدف ومثلت هذه المعادلة العامل الحاسم في تنفيذ الضربة الأخيرة بهذه الدقة الفائقة ، وكان التنفيذ في حالة الظواهري وكأنه تطبيق نموذجي للمعادلة المشار إليها .

كشفت الضربة و نتائجها أن الضربة نُفذت بطريقة تقضي على الهدف دون إلحاق أي أضرار جانبية ، وهو عامل كان حاسمًا للرئيس "بايدن" ومثالًا على الخبرة التكتيكية المتراكمة التي اكتسبتها الاستخبارات الأمريكية تحديدا في أفغانستان و باكستان و اليمن وليبيا و الصومال و غيرها من الدول .

تجدر الإشارة إلى أنه عندما تم الكشف عن استراتيجية إدارة ترامب لأفغانستان في (أغسطس) 2017 ، تأكد أنها عكست نهجًا تم رؤيته كثيرًا من خلال عدسة مكافحة الإرهاب، حيث استلزم الموضوع الرئيسي لخيارات مكافحة الإرهاب في ذلك الوقت إطارًا استراتيجيًا لحماية الوطن الأمريكي من خلال مهاجمة الجماعات الإرهابية مثل القاعدة في ملاذاتهم الآمنة . وكان ينظر في الأوساط السياسية إلى أن الدافع الرئيسي لسياسة الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب أنها تمثل مادة عقائدية تتمثل في منع الهجمات الإرهابية الجماعية ضد الأمريكيين قبل شن تلك الهجمات.

في ضوء العملية الأخيرة للاستخبارات الأمريكية لا يمكن عزل النجاح في تقليص الأضرار الجانبية عن حقيقة أن حكومة الولايات المتحدة قد أتقنت فن المطاردة ، و دمج الذكاء البشري ، واعتراض الإشارات والاستخبارات والمراقبة والاستطلاع ، لتعقب الأهداف الإرهابية والقضاء عليها، وكل هذه العناصر أفضت في نهاية المطاف لتقليل الضربات الجانبية .

في سياق منهجية تقدير الأضرار الجانبية يقوم القائد العملياتي المسؤول وبمعاونة المستشار القانوني العسكري بعملية تقسيم الأغراض( الأهداف ) الجانبية إلى فئات مختلفة ، مثل الهياكل الدينية ، ومخيمات اللاجئين، و المرافق الدينية ، والمرافق الترفيهية ، وفي كل الحالات يجب ألا تكون الإصابات الجانبية في صفوف المدنيين جراء استهداف الهدف مفرطة مقارنة بالميزة العسكرية المتوقعة.

لا يمكن التقليل من أهمية العلاقة بين المعلومات و البيانات الاستخباراتية والإجراءات القانونية التي تأسس بشكل كبير علي الضباط القانونيين ، هنا يبرز الواجب القانوني المهم للضباط القانونيين في تقديم طلبات محددة لضباط المعلومات و الاستخبارات عن الهدف وطبيعته و محيطه المجاور .

في الولايات المتحدة ، يشير دليل القائد لقانون العمليات البحرية (2007) إلى أنه " في كل حالة ، يجب على القائد تحديد ما إذا كانت الإصابات العرضية المتوقعة والأضرار الجانبية مفرطة ، على أساس صادق ومعقول، ووفقا لتعليق اللجنة الدولية للصليب الأحمر ، فإن التقييم القانوني "يجب أن يكون قبل كل شيء مسألة تتعلق بالفطرة السليمة وحسن النية" .

على سبيل المثال ، طلب التوجيه التكتيكي لقوة المساعدة الأمنية الدولية في أفغانستان لعام 2010 من القادة الموافقة على غارة جوية في أفغانستان لتحديد عدم وجود مدنيين ، وحظر الهجمات إذا كان من المستحيل تقييم مخاطر الوجود المدني .

طورت القوات المسلحة لعدد من الدول في السنوات الأخيرة إجراءات معقدة ومصفوفات تحليلية لمساعدة القادة في تحديد الضرر العرضي المتوقع وتعزيز الموضوعية والاتساق، قبل و أثناء و بعد استهداف الأعيان التي قد تلحق أضرارا جانبية بالمدنيين المجاورين.

على الرغم من عدم وجود سبب من حيث المبدأ لاستبعاد الضرر النفسي من نطاق تقييمات التناسب فإن غالبية ممارسات الدولة التي تم النظر فيها في هذه الورقة لا تأخذ الضرر النفسي في الاعتبار ، و من غير الواضح ما إذا كان هذا بسبب أن الدول لا تعتبر أنها ملزم قانونًا بالقيام بذلك ، أو بسبب التحديات العملية الموضحة للتو لتحديد وقياس الضرر العقلي المتوقع من الهجوم .

يجب على المشاركين في تطوير منهجيات تقدير الأضرار الجانبية ، وبمعاونة الخبراء الطبيين المتخصصين ، البحث عن طرق مناسبة للنظر في الضرر النفسي وتحديد حجمه ، مع تطور الفهم العلمي لتأثيرات الهجمات على الصحة العقلية ؛ لذلك يجب صقل المنهجيات حتي يقوم المتحاربون بإيجاد وسيلة لأخذ الضرر العقلي في الحسبان في تقييمات التناسب عند التخطيط لاستهداف الهدف .

ختاما ، يظل تقليل الأعراض الجانبية في صفوف المدنيين اعتبار قانوني وعملياتي مهم في سياق مكافحة الإرهاب و أيضا في سياق النزاعات المسلحة .