الجمعة 26 أبريل 2024 03:31 صـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

المقالات

مروة الحمامصي تكتب : لمحة عن ادارة الحكم في العراق القديم

النهار نيوز

أثرت الطبيعة الجغرافية بلاشك في تكوين النظام السياسي للعراق القديم الذي يعد من أقدم الحضارات التي عرفتها البشرية , فكان نهري دجلة والفرات يقسمون الأراضي لمساحات حالت دون تكوين دولة واحدة كبيرة في ذلك الزمن , فعرفت العراق حضارة المدينة وكانت من الممكن أن تتحد المدينة مع مدن أخرى سواء بالسلم أو بالحرب . وقد تبلورت فكرة نشأة المدينة في الأساس على أنها مركز لعبادة الاله , فسميت على اسمه . ويظهر هذا جلياً من الاسم . فمدينة "نيبور " كانت مركزاً للإله "أنليل " إله سومر , و"بابل " أو بوابة الله" نجد أن ملوك الأسرة البابلية الأولى حرصوا عند انشاء كل مدينة جديدة الاحتفاظ بهذا النهج فكانت مدن مثل : "كارشماش " أو قلعة الاله شماش " و "نور أداد " أو "نور الإله أداد" . ومع تطور الزمن وظهور قوة الحكام نجد أن قوة الحاكم الملموسة في السلم والحرب برزت عما قبل , فسميت المدن الجديدة على اسماء الملوك مثل الملك "كوريجالزو " من أسرة أور قد سمى مدينة باسم "دور كوريجالزو " أو مدينة كوريجالزو . وحتى الملك حمورابي أطلق اسمه على قناة للري .

وكان المعبد هو مالك قوة المدينة الاقتصادية فكانت المعابد تشرف على أراضي الدولة وبالتالي كان الشعب يعمل لدى الإله , وهيأت الأساطير المواطن العراقي القديم لتقبل ذلك فجعلته يعتقد أنه يعمل ليريح الإله من العمل في مزرعته التي هي أراضي المدينة , وحتى الحرف كان كان الكهنة يعلمونها لكل طوائف الشعب عبيداً أو عامة أو صفوة أو حتى ابناء ملوك , وللكاهن الأكبر سلطات واسعة فكان المشرف على كل هذا حيث كان تابعا للمعبد المصانع والمخازن , جدير بالذكر أن لزوجات الإله وأولاده كانت لهم معابد ولها مخصصات , ومثلما كان للكاهن الأكبر السلطة الدينية , كانت له مهام دنيوية أخرى مثل الاشراف على تأجير واستئجار الأراضي . وكانت أراضي المعبد ومراعيه يعمل بها كل طوائف الشعب , بلا استثناء .

وكانت الأمور الإقتصادية يمسك الكهنة بزمامها , أما الأمور السياسية فكانت في يد المواطنين الأحرار , وقد ظهرت بعض المشاركة النسائية . وكانت السلطة شبه ديمقراطية مكونة من مجلس مكون من جميع المواطنين الأحرار لايمنع مشاركة النساء يرشده مجموعة من الشيوخ . وبذلك كان الحكم السياسي في يد الملك ومجلسين من مجالس الشورى الأول من الأعيان والشيوخ , والثاني من جميع الرجال القادرين على حمل السلاح .

ومع تطور نظام دولة المدينة إلى الدولة الكبيرة تراجعت أهمية المجالس في الحكم التي تعرقل سرعة اتخاذ أي قرارات تخص الحروب , وتحول الحكم إلى النظام الملكي الاوتوقراطي , ومع ذلك بقيت مجالس الحكم واختلفت اختصاصها فأشرفت على القضايا وتنفيذ الأحكام بجانب المحاكم المكونة من الكهنة والقضاة المدنيين . وجدير بالذكر أن سلطة المجالس كانت تزداد قوة في أوقات تدهور الملكية . وقد كانت المجالس جزءا من عقيدة العراقي القديم فظهرت في أسطورة الخلق البابلية فصورت للآلهة مجالساً مقدسة في السماء لبحث شئونهم الخاصة وكانت الآلهة النساء يشتركن بها وتصور العراقي القديم أخلاق آلهته كما البشر فمن الممكن أن يوجد في تلك المجالس الظلم مثلما يوجد بها الحق .

وقد آمن العراقي القديم بأن الملك مفوض من الآلهة لحكم البشر , وكان ذلك ضمن عملية الاختيار الإلهي فكان الإله الأعلى يختار إله المدينة ويختار الأخير بدوره ملك المدينة , حتى أخذ من تلك العملية الملك الفارسي "كوروش " الذي زعم أن حكمه لبابل كان نتيجة اختيار الإله " مردوخ " له .

وفي العصور المبكرة وبداية من العصر السومري القديم , كان النزاع بين المدن انعكاس لنزاع الآلهة لفرض سيطرتها على مدن أخرى , وتصور العراقي القديم أن ذلك النزاع لن يحله سوى الآلهة الكبار , التي كانت بطبيعة الحال تؤيد الملك المنتصر , كما كان يعزى أي تصرف لحاكم مدينة سواء بالخير أو الشر إلى إلهها , حتى أن بعض الملوك فاقدي الشرعية قد ادعوا أنهم ابناء بالتبني للآلهة , مثلما ادعى الملك الأكدي "سرجون " بتبني الربة "عشتار " له . وزيادة في احكام روابطه القوية بالآلهة نصب ابنته ككبيرة كاهنات لإله القمر السومري "نانا " رب مدينة "أور" . واستمر من بعده الملوك حتى نهاية العصر البابلي في تنصيب أخواتهم وبناتهم في ذلك المنصب .

و قد انحرف الملك "نارام سين " حفيد الملك "سرجون الأول " عن صورة الملك التي هي ظل للإله وليست تجسيدا له . فقد انفرد لأول مرة بأن يلقب نفسه بلقب" إله أكد " ولم يلق هذا قبول الشعب الذي تصور أن تدمير أكد نتيجة لغضب الألهة على الملك المتمرد على سلطتها .

وحتى بعد أن جاءت الامبراطورية الأشورية بحكام أقوياء لم يتجرأ واحد منهم على ادعاء الألوهية وانما اعتبروا أنفسهم ظلاً للإله , وقد تواضع حكام آشور للإله آشور فكان هو الإله الحاكم المسيطر والمسمى على اسمه البلاد , وكانوا كهنة لمعبده مثلما كانوا ملوكاً , وقد وضعت تماثيلهم بجوار تمثاله كممثلين له وليس كأنداد مساويين له ففكرة الملك لإله , لم تجد رواجاً في العراق القديم .

مروة الحمامصي تكتب : لمحة عن ادارة الحكم في العراق القديم