الأربعاء 12 نوفمبر 2025 08:22 مـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

المقالات

أشرف محمدين يكتب : أصدقاء الطفولة… ضحكة لا تشيخ

النهار نيوز

مهما امتدت بنا الأعمار وتبدّلت مواقعنا الاجتماعية، يظل في القلب ركن صغير لا يشيخ، يسكنه أصدقاء الطفولة. أولئك الذين عرفونا كما كنّا، لا كما أصبحنا. لم يقيسوا قيمتنا بما نملك، بل ببراءتنا وضحكاتنا الصافية التي انطلقت يومًا من القلب بلا استئذان.

مع مرور السنين، نتقن فنون التجمّل الاجتماعي، نرتدي الأقنعة، نحسب كلماتنا ومواقفنا بدقّة، ونتعلم كيف نخفي ما نشعر به خلف ابتسامات محسوبة. غير أن لقاء أصدقاء الطفولة وحده كفيل بإسقاط كل تلك الحسابات. يكفي أن نراهم حتى تُبعث فينا أيام بسيطة، كانت فيها قطعة حلوى كفيلة بإسعادنا، وكانت ضحكتنا تُطلق من القلب لا من المجاملة.

أصدقاء الطفولة هم المرآة التي لا تجامل، يعرفون النسخة الأصلية منا قبل أن تمسّها يد الحياة، قبل أن تُثقِلنا المسؤوليات وتُربكنا التعقيدات. هم الشهود على بداياتنا، وحملة مفاتيح “الأصل” فينا مهما غيّرتنا الأيام.

وحين تلتقي عيوننا بعيونهم بعد طول غياب، تنفجر ضحكة صافية نادرة، ضحكة لا تُطلق مع أحد سواهم، لأنها تأتي من مكان لم تلوثه الأيام بعد، من “الطفل” الذي يسكننا وينتظر وجوههم ليعود إلى الحياة.

في زمنٍ باتت فيه القيم تُقاس بالإنجازات لا بالمشاعر، يذكّرنا أصدقاء الطفولة أن السعادة لا تُشترى، وأن القيمة الحقيقية للإنسان تكمن في قدرته على البقاء بسيطًا وإنسانيًا، رغم كل ما يحيط به من صخب وتعقيد.

قد تمرّ السنوات دون لقاء، لكن يكفي اتصال واحد أو صدفة عابرة حتى يعود كل شيء كما كان. لأن هؤلاء الأصدقاء ليسوا مجرد أشخاص مرّوا في حياتنا، بل هم الذاكرة التي لا تخون، والأمان الذي يحضر دائمًا في الوقت المناسب.

فمهما تعاقبت الوجوه وتغيّرت الأمكنة، تبقى ضحكتهم القديمة حاضرة فينا، تذكّرنا أننا كنّا — وما زلنا — أطفالًا لا يعرفون إلا الفرح