الخميس 21 أغسطس 2025 12:59 صـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

المقالات

قبل أن نشهر أصابع النقد.. لنُصلح ما في داخلنا

النهار نيوز

من السهل أن نقف على الأرصفة ونُحصي عيوب المجتمع، أن نطلق العبارات الغاضبة، ونكتب السطور الساخطة، ونرمي المسؤولية على الآخر. لكن الأصعب، والأصدق، أن نضع المرآة أمام وجوهنا فنرى عيوبنا نحن، قبل أن نطالب العالم بالتصحيح.

كثيرون يطالبون بالعدل وهم لا يعدلون في بيوتهم، وكثيرون يرفعون شعارات النزاهة وهم يمارسون صغائر الغش في تفاصيل حياتهم اليومية. ننتقد الفساد بينما نتجاوز الدور في طابور، أو نبحث عن واسطة في معاملة. نلعن غياب القيم بينما نصمت عن قول الحق في المواقف الصغيرة.

النقد مسؤولية لا هروب

النقد في جوهره ليس صرخة غضب ولا لوحة سوداء نرسمها للعالم، بل هو مسؤولية أخلاقية تبدأ من الفرد. لا قيمة لنقدٍ يطلقه إنسان لا يمارس في حياته ما يدعو إليه. فكيف نطالب بالشفافية ونحن نُخفي الحقائق في معاملاتنا؟ وكيف ننادي بالاحترام ونحن نهين من هم أضعف منا؟

التغيير يبدأ من الذات

لقد علّمنا التاريخ أن الأمم لا تتغير بقرارات مفاجئة، بل بتراكمات صغيرة تبدأ من سلوك الفرد. حين يحترم الإنسان إشارات الطريق، فهو يزرع في مجتمعه بذرة النظام. وحين يلتزم بموعده، يبني في الآخرين قيمة احترام الوقت. وحين يُخلص في عمله، فهو يفتح نافذة أمل في جدار الواقع.

كل إصلاح عظيم يبدأ بإصلاح الذات. المجتمعات مرايا لأفرادها، وما نراه من تشوهات في الخارج هو انعكاس لخلل بداخلنا. وحين نُهذّب أنفسنا ونرتقي بسلوكنا، سنجد المجتمع يتغير تلقائيًا، دون ضجيج ولا ادعاءات.

بين القول والفعل

الكلمات ليست صعبة. الصعوبة تكمن في أن يتحول الكلام إلى ممارسة. لن يتغير مجتمع بكثرة الخطب والبيانات، بل حين تصبح القيم اليومية أفعالاً حقيقية. الإصلاح هو أن نتوقف عن إلقاء اللوم على الآخرين، وأن نبدأ نحن بفعل ما بوسعنا.

دعوة للتأمل

قبل أن نكتب منشورًا ساخطًا عن الفوضى، لنسأل: هل التزمنا نحن بالنظام؟ قبل أن نشكو من الغلاء، لنسأل: هل نحسن التدبير ونبتعد عن الإسراف؟ قبل أن نطالب بمكافحة الفساد، لنسأل: هل نتعامل نحن بضمير حي ونرفض الرشوة؟

هكذا فقط يكتسب النقد قيمة، حين يكون صادقًا متجذرًا في سلوك صاحبه، لا مجرد شعارات جوفاء.

كلمة أخيرة

لن نتوقف عن نقد السلبيات، فهذا واجب وطني وأخلاقي. لكن قبل أن نرفع أصابعنا لنشير إلى عيوب الآخرين، فلنمد أيادينا لنزيل ما علق بنا من غبار. فلنكن نحن البداية، ولنجعل من حياتنا اليومية نموذجًا حيًا لما نريد أن نراه في المجتمع.

فالإصلاح الحقيقي ليس كلمات تُكتب على ورق، بل سلوك يُمارس في الشارع والبيت والعمل. وعندها فقط، حين نفعل ما علينا، يصبح نقدنا للآخرين قوة بناء، لا سهام هدم.