السبت 20 أبريل 2024 01:10 مـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

أيمن سلامة : متي يعترف المجتمع الدولي بحكومة طالبان ؟

النهار نيوز

ما برحت حركة طالبان تحاول الحصول على اعتراف دولي بحكومتها، وللوصول إلى هذا الهدف يكرر قادتها في كل مناسبة رسائل الطمأنة للداخل والخارج بأنها لا تفعل شيئا يسبب قلق المجتمع الدولي في قضايا كالسماح للمرأة الأفغانية بالدراسة والعمل، واحترام حقوق الإنسان وحرية التعبير والسفر والتنقل للمواطنين، والأهم منع استخدام الأراضي الأفغانية ضد الدول الأخرى، وتسعى الحركة لتفادي العزلة الدولية كما في فترة حكمها الأولى، حيث لم يعترف بحكومتها آنذاك إلا باكستان والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات.

يعني الاعتراف القانوني بحكومة طالبان بوصفها الممثل الشرعي لأفغانستان، انتقال طالبان من حركة مقاومة مسلحة، كانت توصف بـ"الإرهابية" من معظم أشخاص المجتمع الدولي ، إلى حكومة شرعية تتمتع بكافة الحقوق المتعارف بها دوليا، ومنها العضوية في منظمة الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات و المحافل الدولية.

ومن أهم التداعيات أو الآثار القانونية للاعتراف بحكومة طالبان حصولها على حق استخدام القوة في مواجهة خصومها في الداخل، كسائر الحكومات المعترف بها ، وهذا الحق يكفله القانونين الدولي و الدستوري ، حيث تتحول الحركات المناهضة لطالبان، مثل جبهة المقاومة الوطنية بزعامة أحمد مسعود، تلقائيا إلى جماعات متمردة غير شرعية يحق للحكومة مواجهتها و سحقها بقوة السلاح ، كما أن هذا الاعتراف القانوني بطالبان يضفي، في نظر المجتمع الدولي، الشرعية على القوانين والقرارات الصادرة عن الحكومة في الشؤون الداخلية، لأنها تصدر عن حكومة معترف بها دوليا.

من ناحية أخري ، لا يعد الاعتراف الواقعي بحكومة طالبان اعترافا قانونيا رسميا بالحركة ، فرغم توقيع الولايات المتحدة اتفاقية الدوحة مع طالبان والتي تعتبر نوعا من الاعتراف الواقعي بالحركة، فإن أميركا تربط الاعتراف القانوني بطالبان ، بسلوك الحركة تجاه قضايا حقوقية عديدة منها حقوق المرأة ، ومسائل حيوية أخري منها التزامها بعدم السماح بالمنظمات التي تعتبرها الولايات المتحدة "إرهابية".، وفي هذا الصدد تحذو كافة الدول ذات النهج الذي تسلكه الولايات المتحدة الأمريكية بخصوص تعامل طالبان مع بعض التنظيمات المدرجة في قائمة الإرهاب لدي هذه الدول .

توصف الحكومات التي تأتي إلى سدة الحكم بطريقة غير دستورية أي عن طريق الثورة أو الإنقلاب ، بالحكومة غير الشرعية وذلك بالنظر لكونها لا تستند للشرعية الدستورية قبل نشأتها ، وتُدمغ هذه الحكومات تمييزا عن الحكومات الشرعية أو القانونية بحكومات الأمر الواقع أوالحكومات الفعلية .

تتمتع سلطات الحكومة الواقعية بالفاعلية ، أي أنها قادرة بمؤسساتها وهياكلها وأجهزتها على فرض نفسها على المواطنين والموظفين الرسميين ، فيذعنوا لها ويقوموا بتنفيذ أوامرها و تعليماتها ، كما تتميز هذه الحكومات الفعلية باحتكار الصلاحيات والاستئثار بها ، أي أنها تتمكن من ممارسة السلطة وحدها في الإقليم ، ولا ينازعها سلطة أخري ، وتدق هذه المسألة الأخيرة في الشأن الأفغاني ، فحين قامت حركة طالبان، لاحقا ، بتشكيل حكومتها الجديدة والتي ضمت بعضا من القادة الأفغان السابقين في الحكومة المخلوعة ، فذلك لا ينتقص من استئثار حركة طالبان بالسلطة الحاكمة في البلاد .

لا يمكن للحكومات الواقعية الإدعاء بتمثيل الدولة تمثيلا قانونيا ، ولا يمكن اكتساب الشرعية القانونية على الصعيدين الداخلي والخارجي ما لم تقم بالإجراءات الدستورية الضرورية وباكتساب رضا الشعب على الصعيد الداخلي ، ورضا الدول الأخرى عن طريق الاعتراف على الصعيد الدولي .

فعلى الصعيد الداخلي فإن غالبية من يأتون إلى الحكم عن طريق الثورة أو الإنقلاب ، يحاولون إضفاء الشرعية على حكومتهم الواقعية ، ومسلك الحكومات في هذا المجال يظهران هذه المحاولة عادة تمر بمرحلتين : المرحلة الأولى ، تبدأ عند الإعلان عن الحكومة الجديدة ، وفيها تقوم هذه الحكومة بالغاء السند أو الأساس الدستوري للحكومة السابقة ، ويكون ذلك الإلغاء صريحا في معظم الأحوال ، وفي المرحلة الثانية تقوم بتغطية عملية ( القبض على ذمام السلطة عن طريق القوة ) بإجراءات ( قانونية ) ، کاستحصال تصويت برلماني أو استفتائي يمنحهم الثقة وفقا للقواعد الدستورية السارية قبل وصولهم للحكم ، أو إعدادهم دساتير جديدة يحاولون عن طريقها تصحيح وضعهم غير الشرعي .

لا مِرية ، أن أفضل الوسائل التي تلجأ إليها الحكومات الواقعية لإضفاء الشرعية هي القيام بإجراء الانتخابات النيابية في البلاد ، إذ كثيراً ما تحولت الحكومة الواقعية إلى حكومة قانونية بعد إجراء مثل هذه الانتخابات ، فحكومة الجنرال ديغول التي تم الإعلان عنها في الجزائر في 3 يونيو 1943 تحت اسم اللجنة الفرنسية للتحرير الوطني ، كانت كذلك حكومة واقعية بالطبع ، ثم أصبحت في ۲ يونيو 1944 حكومة مؤقتة للجمهورية الفرنسية إنتقلت في 31 أغسطس 1944 إلى باريس ،وتحولت إلى حكومة قانونية بعد ۲۱ أكتوبر 1945 وهو تاريخ إجراء انتخابات الجمعية التأسيسية .

أما على الصعيد الدولي ، فعلى الحكومة الجديدة أن تُثبت للعالم الخارجي ، أنها قادرة على حفظ الأمن والنظام على إقليم الدولة التي تدعي تمثيلها ، وأنها قادرة على القيام بالتزاماتها الدولية ، لكي تكون مؤهلة للاعتراف من جانب الدول الأخرى ، لأنها بحاجة إلى هذا الاعتراف لمواصلة علاقاتها بالدول الأخرى .

وقد عَرّف مَجمَع القانون الدولي الاعتراف بالحكومة بأنه : ( التصرف الحر الذي يصدر عن دولة أو عدة دول للإقرار بوجود سلطة أو حكومة معينة قادرة على حفظ الأمن وتمثيل الدولة القائمة في المجموعة الدولية والقيام بجميع التزاماتها تجاه الدول ) ويبدو أن مَجمَع القانون الدولي ، في تعريفه هذا قد أقر بمعيار الفاعلية للاعتراف بالحكومة الجديدة .

الاعتراف بالحكومة الجديدة ، طبقا للقانون الدولي ، أمر يعود تقديره لكل دولة على حدة وله صفة إقرارية ، لأنه عمل إرادي حرلا يخضع في إصداره من حيث المبدأ ولا في كيفية إصداره لرقابة دولية بل إنه عمل كاشف تقديري وذو صبغة سياسية ، حيث تقدره في نهاية المطاف السلطة السياسية في الدولة تحقيقا للمصالح العليا للدولة التي تقوم بالإعتراف بالحكومة الجديدة ، وعلى ذلك فالدول حرة في الاعتراف بالحكومات الجديدة التي تأتي إلى سدة الحكم بطريقة غير دستورية ، وفقا لمصالحها السياسية ، ولها رفض الاعتراف بها حتى وان توفرت المعايير السابقة أن اقتضت مصلحتها ذلك ، وهناك العديد من الأمثلة والسابقات الدولية التي تُضرب تمثيلا في هذا الصدد ، فقد رفضت الدول الأوروبية لفترة طويلة الاعتراف بحكومة الإتحاد السوفيتي السابق ، ورفضت العديد من الدول الاعتراف بجمهورية الصين الشعبية لما يناهز۲۰ عاماً، على الرغم من تحقيق الحكومتين المشار إليهما معيارالفاعلية ،وفي العراق لم يعترف أحد من دول العالم بحكومة الدفاع الوطني برئاسة السيد رشيد عالي الكيلاني ، التي تم الإعلان عنها في ۱۲ أبريل عام 1941 ، إثر الإطاحة السلمية من قبل الجيش بالحكومة السابقة ، على الرغم من محاولة إسباغ الشرعية على تلك الحكومة ، وكذلك الحال بالنسبة للحكومة التي أقامها المتمردون في هاييتي بعد الإطاحة بالحكومة عام ۱۹۹۱ ، وطرد رئيسها ( براتراند ارستید ) خارج البلاد ، حيث رفضت الدول الاعتراف بالحكومة الجديدة على الرغم من تحقيقها المعيار الشرعية الدستورية من خلال إجراء انتخابات برلمانية في كانون الثاني ۱۹۹۲.

تأسيساً على ما تقدم ، فإن أثر الإعلان عن الحكومة التي تأتي إلى السلطة بطريقة دستورية ، يختلف عن أثر الإعلان عن الحكومة التي تأتي إلى السلطة بطريقة غير دستورية الذي سبق شرحه ، إذ من الناحية الداخلية ، وان كانت الحكومة الجديدة تبدأ بممارسة السلطة من الناحية الواقعية ، إلا أن مجرد الإعلان عن الحكومة لا يضفي على هذه الممارسة الصفة الشرعية ولا تتحول هذه الحكومة إلى حكومة قانونية إلا بعد قيامها بالإجراءات الدستورية الضرورية ، كما أنه من الناحية الدولية فإن الإعلان عن الحكومة الجديدة لا تتحقق آثاره القانونية ، وخصوصا فيما يتعلق بممارسة الحقوق ، إلا بعد إعتراف الدول الأخرى بهذه الحكومة ؛ ذلك لأن الحكومة الجديدة وإن كانت ، طبقا لمبدأ إستمرارية الدولة ، ترث الحكومة القديمة من حيث الحقوق والإلتزامات منذ الإعلان عن نفسها بوصفها الممثل الجديد للدولة ، غير أن ممارسة أغلب هذه الحقوق ، كحق إبرام المعاهدات ، وحق تبادل التمثيل الدبلوماسي ، وتمتع ممثلي الدولة الجدد بالحصانات والإمتيازات الدبلوماسية ، تتوقف على إعتراف الدول الأخرى بها .