إشكالية العلاقة بين الفنون الإنسانية وفنون الآله

في البداية انا لا أتفق مع من يريد غلق هذه الفنون الألية مطلقا، والباب مفتوح لمن يريد أن يسلك هذا النهج ، ولكني أردت أن أقلم الأمور، وأوضح أن هذه الفنون وألية عملها لا تعبر عن حدس واحاسيس ومشاعر الانسان ( الفنان )، ولا يمكن اعتبارها فنون إنسانية بحكم ألية تنفيذنا، حتى وان كان الإنسان خلف أدارتها. لان الألة وآلية اشتغالها ليس لها احساس أو مشاعر أو عاطفة إنسانية.
فهذه الفنون تطورت عندما أكتشف الأنسان ألة التصوير الفوتوغرافي مع بداية القرن 18، حتى وصلت إلى اكتشاف أشعة السونار و، و، و، وغيرها من الأجهزة الإلكترونية ( كاجهزة الحاسوب والرقمي والهيلوغراف ( على أنها فرع من فروع الفن الألي ).
وليست فرع من فروع الفنون الإنسانية التي تعتمد بشكل مباشر على حدس وادراكات الإنسان الحسية والعقلية )، كما أن الأولى لا تعمل بشكل عفوي غرائزي وفطري مثل الإنسان ( الفنان ). بل تؤمر بعقل الإنسان فقط . ولا يمكنها أن تعبر عن موقف حضاري أو ثورة تأريخية فنية وجمالية بنفسها إلا بتدخل الأنسان وإدارته العقلانية لها .والدليل على ذلك ( قارن بين رسم البورتريت من قبل الإنسان الفنان وبين رسم البورتريت من قبل الأله ، فالأول فيه جمالية الروح المطلقة الكامنة في داخل الفنان ، والثاني جاف ليس فيه جمالية الروح ). كما أنها تشجع لكل من هب ودب من أناس ليست لهم القدرة على المهارة والأداء الفني ( اي الموهبة والملكة الالهية )، عند ذاك يختلط الحابل بالنابل، بالنتيجة لا يمكننا أن نميز بين الفنان المبدع الحقيقي عن الفنان المزيف.
واخيرا وليس أخرا ، وبرأي المتواضع ، ان هذه الفنون هي فرع من فروع الفنون الجميلة، التي تعمل بألية خالية من المشاعر و الاحاسيس، اي بدون حياة . وان الفن الحقيقي هو فن نابع من الطاقة الكامنة في روح الأنسان ( الفنان )، بأضافة القيم الجمالية ( الروحية والعاطفية، والحسية، والعقلية ) إلى قيم الجمال الطبيعي.
عند ذاك تتطور الحياة بفعل عبقرية ونبل أدراكات الإنسان ( الحسية والعقلية ) والتي منحها الباري عز وجل لهذا المخلوق الحي الذي يثير الدهشة والأعجاب. تيمنا بقوله تعالى ( اني اجعل في الأرض خليفة ) صدق الله العظيم. وختاما ان من يريد أن يتماشى ويواكب أدوات العصر، عليه أن يصنعها هو، لا ان يقتنيها ويأتي على الجاهز ويقول بأني حضاري ومتطورة بفعل أستخدمه لأجهزة لا يفقه من صناعتها إلا القليل.
وفي ضوء ما ذكرته ، يكون التطور الحضاري للإنسان بشكل صادق وعلمي وجمالي صحيح، عندما يعتمد الإنسان على ذاتيه المبدعة والمتبكرة، والمصنعة لأدوات عصره وعناصر الحضارة التي تعمل على تطور الحياة إلى الأمام .

.....................
".د. هانيء محي الدين الأحمد / كلية الفنون الجميلة / جامعة بغداد / العراق.