الخميس 28 مارس 2024 02:17 مـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

السياسة والبرلمان

الدكتور أيمن سلامة : الإنتهاكات الإسرائيلية الجسيمة لحقوق الأسري و المعتقلين الفلسطينيين

النهار نيوز

لا جَرم أن الأماكن التي يُعتقل فيها أسرى الحرب - ربما لفترة طويلة من الزمن – لها تأثير مباشر على نوعية حياتهم في الأسر وعلى صحتهم البدنية والعقلية ، لذلك تراكمت و تواترت المواثيق الدولية للقانون الدولي الإنساني علي التشديد علي الدولة الحاجزة للمعتلقين و أسري الحرب أن تولي الإعتبار الواجب حيال أن تفي أماكن الاعتقال بمتطلبات أساسية معينة بغرض تأمين المعاملة الإنسانية للمعتقلين في حوزتها .

لا تقتصر واجبات الدولة الحاجزة علي واجب دولي بعينه وفقاً للمواثيق الدولية للقانون الدولي الإنساني ، ولكن تشمل العديد من الواجبات الدولية في ذلك السياق ، وتدليلاً : تُحدد المادة 22 من إتفاقية جينيف الثالثة لمعاملة أسري الحرب و المعتقلين عام 1949 هذه المتطلبات الأساسية ؛ حيث توضح المتطلبات القانونية في اختيار موقع إقامة معسكرات الاعتقال ، ونوع المنشآت التي يمكن إيواء أسرى الحرب فيها ، وكذلك العناصر التي يجب أن تحكم تجميع الأسرى ، فضلاً عن المتطلبات الإحترازية المحددة فيما يتعلق بالنظافة والتي كرّسَتها المادة المادة 29 من ذات الإتفاقية .

جَليٌ أن الموجبات الدولية التي حددتها إتفاقية جينيف الثالثة المشار إليها لم تخلق من عدمٍ ، ولكن يعود الفضل الأساسي في إفراد هذه الواجبات الدولية علي الدولة الحاجزة إلي المادتين 9 و 10 من اتفاقية عام 1929 بشأن أسرى الحرب ، ولذلك استلهم ممثلوا الدول خلال عملية التفاوض بشأن الاتفاقية الثالثة لأسري الحرب تعزيز الضمانات المتعلقة بأماكن اعتقال أسرى الحرب ، و مثلت الفظاعات التي ارتكبت بحق أسري الحرب و المعتقلين أثناء الحرب العالمية الثانية ناقوس خطر شَنّف آذان هؤلاء المفاوضون أثناء صياغة اتفاقية معاملة أسري الحرب و المعتقلين 1947-1949.

طَليٌ أن أن الدولة الحاجزة للأسري و المعتقلين تتمتع بحرية كبيرة في تقرير مكان إيواء أسرى الحرب تأسيساً علي العرف الدولي و المواثيق الدولية التعاهدية ، ولكن يجب أن تضمن الأماكن التي يُعتقل فيها السجناء بيئة صحية طبية لهم ، و فيما يتعلق بالمباني نفسها ، فيجب علي الدولة الآسرة توفير كل ضمانات النظافة والصحة ، وهناك العديد من الخصائص البيئية المختلفة التي قد يكون لها تأثيرمباشر أو غير مباشر مدي ملائمة المكان الذي يعتقل فيه أسري الحرب و المعتقلين ، ولذلك لا تستثني من هذه الخصائص المؤثرة الظروف المناخية ، وإتاحة الخدمات الأساسية ، مثل المياه و الخدمات الطبية و الأدوية ومهمات و أدوات التدفئة الضرورية في الأجواء قارسة البرودة .

أتت نصوص المادة 22من قاطعة مانعة في شأن إلتزام الدولة المعتقلة ب "كل ضمان" للنظافة والصحة ، وهذا يعني بكل بساطة أن الدولة المتقلة عليها واجب ضمان بيئة معيشية صحية للأسري و المتعقلين لديها .

يعيش الأسرى الفلسطينيون والعرب داخل السجون الإسرائيلية أوضاعاً صحية استثنائية؛ فهم يتعرضون إلى أساليب تعذيب جسدي ونفسي وحشية ممنهجة، تؤذي وتضعف أجساد الكثيرين منهم، ومن هذه الأساليب: الحرمان من الرعاية الطبية الحقيقية، والمماطلة المتعمدة في تقديم العلاج للأسرى المرضى والمصابين، والقهر والإذلال والتعذيب التي تتبعها طواقم الاعتقال والتحقيق.

ومن خلال تقارير العديد من المنظمات و الجمعيات الحقوقية المعنية بمراقبة الوضع الصحي للأسرى، الفلسطينيين اتضح أن مستوى العناية الصحية بالأسرى شديد السوء؛ فهو شكلي وشبه معدوم بدليل الشهادات التي يدلي بها الأسرى، وارتقاء الشهداء من بينهم، وازدياد عدد المرضى منهم، وبشكل متصاعد؛ ، و تؤكد تقارير هذه المنظمات أن علاج الأسرى بات موضوعاً تخضعه إدارات السجون الإسرائيلية للمساومة والابتزاز والضغط على المعتقلين؛ الأمر الذي يشكل خرقاً فاضحاً لمواد اتفاقية جنيف الثالثة والتي أوجبت حق العلاج والرعاية الطبية، وتوفير الأدوية المناسبة للأسرى المرضى، وإجراء الفحوصات الطبية الدورية لهم.

كما اتضح أن العيادات الطبية في السجون والمعتقلات الإسرائيلية، تفتقر إلى الحد الأدنى من الخدمات الصحية، والمعدات والأدوية الطبية اللازمة والأطباء الأخصائيين لمعاينة ومعالجة الحالات المرضية المتعددة ، وتستمر إدارات السجون في مماطلتها بنقل الحالات المرضية المستعصية للمستشفيات؛ والأسوأ من ذلك أن عملية نقل الأسرى المرضى والمصابين تتم بسيارة مغلقة غير صحية، بدلاً من نقلهم بسيارات الإسعاف، وغالباً ما يتم تكبيل أيديهم وأرجلهم، ناهيك عن المعاملة الفظة والقاسية التي يتعرضون لها أثناء عملية النقل.

في ذات السياق لقد ساقت السياسة الممنهجة التي تنتجهها سلطات الإحتلال الإسرائيلية العديد من الانتهاكات الصحية التي تمارسها إدارات السجون الإسرائيلية تجاه الأسرى والأسيرات الفلسطينيين والعرب المحتجزين في سجونها ومعتقلاتها، والتي يصب معظمها في ترسيخ سياسة الإهمال الطبي المتعمد، والمماطلة في تقديم العلاج، والجرائم الطبية، كإجراء العمليات الجراحية لكثير من الحالات المرضية والإصابات بشكل يتنافى مع أخلاقيات مهنة الطب؛ الأمر الذي تسبب في وفاة العديد من الأسرى المرضى والمصابين.

ختاماً ، تقع المسؤولية الدولية المدنية علي دولة الإحتلال الإسرائيلي ، كما تقع المسؤولية الدولية الجنائية أيضاً علي كافة القادة الإسرائيليين سواء أكانوا مدنيين أوعسكريين فضلاً عن الفاعلين لهذه الإنتهاكات ، وهذه الإنتهاكات الجسيمة لإتفاقية جينيف الثالثة المشار إليها تخضع للإختصاص الموضوعي و الشخصي و المكاني للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بموجب المادة السابعة من ذلك النظام .