الجمعة 19 أبريل 2024 06:07 صـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

المقالات

الكاتبة سارة السهيل تكتب:  كيف تعرف الشخص من ملابسه؟

النهار نيوز

هل من الممكن أن أعرف (وطنك) (بلدتك) (قريتك) (دينك) (طائفتك) (مذهبك) (قوميتك) (انتماءك السياسي) (فكرك) (وظيفتك) (هوايتك) (موهبتك) من خلال ملابسك؟؟؟
قديما قالها عميد المسرح العربي يوسف هبي : " وما الدنيا إلا مسرح كبير " نشاهد على خشبته كل الأطياف الإنسانية وكل الهويات الثقافية والحضارية والمشهدية السياسية والدينية بتجلياتها المذهبية والطائفية، وكذلك التجليات الأدبية والفنية.
هذا المسرح الكبير يجسد أفكار المجتمعات وعاداتها وتقاليدها ومظهرها الإنساني الخارجي الذي تعكسه طبيعة الملابس التي ترتديها الشخصيات على خشبة المسرح، فملابس السياسي والدبلوماسي تختلف عن الموسيقي والممثل والرسام، رجال الدين تختلف أزيائهم.
وطبيعة أي مجتمع وبلد تنعكس على شكل الملابس التي يرتديها أفراده انعكاسا لهويته الثقافية والحضارية، فالمجتمعات العربية المحافظة نفسها تختلف في نظرتها للملبس والزي من حيث النظرة للاحتشام والوقار والوجاهة الاجتماعية من بلد لآخر، فالزي الذي ترتديه المرأة السورية والذي قد يتكون من بنطال واسع وسروال فضفاض طويل ويعكس درجات عالية من الاحتشام قد لايلقى نفس النظرة والقبول في السعودية أو قطر، رغم أن هذا الزي السوري قد يكون من وجهة نظر الشعب اللبناني أكثر قبولا واحتشام.
وتتنوع ثقافة الألوان في ملابس النساء العربيات غير أن اللون الأسود هو المسيطر في عباءة نساء الخليج رمزا للوقار والحشمة، وانعكاسا لثقافة غض البصر في الثقافة الإسلامية من جانب الرجال تجاه نساء الخليج.
ويعكس اللون الأسود عند العرب أيضا دلالات للجمال، حيث تغزّل شعراء العرب خلال التاريخ باللباس الأسود حين قال الشاعر: قل للمليحة بالخمار الأسود ماذا فعلتي بناسك متعبد.
يعكس اللباس عدة جوانب من خلفية الإنسان و شخصيته فمن ملابسه هناك احتمالية أن تكتشف بلده و قارته و دينه و مذهبه و قوميته و أيضا احتمال تكتشف انتمائه الحزبي أو السياسي فبعض الأحزاب منتميها لديهم هيئة خاصة
وبعض الطوائف تعرفها من زيها أو شكل شاربها أو طريقة حلق الذقن أو اللحية.
و من الممكن أن (تخمن) هذه السيدة أن كانت متزوجة أم لا أيضا من طريقة الملابس و الزينة و خاصة في الهند
حتى المهنه و الهواية يمكننا الاستدلال عليها من حيث الملابس كملابس الرياضيين أو الشعراء أو الرسامين
وبعض الطوائف أيضا تتميز بملابس خاصة إلى الآن.
على سبيل المثال طائفة الأميش فيأميركا تلبس الفتيات والنساء ثياباً طويلة تستر جميع أجزاء الجسم، ويعتمرن قبعات سوداء تخفي شعورهنّ، ويستبدلن تلك القبعات، بقبعات بيضاء بعد الزواج. أما الفتيان والرجال فيلبسون سراويل زرقاء من الكتان، وتبقي تلك السراويل مرفوعةً حول الخصر بأحزمة قماشية تتدلى من فوق الأكتاف، ويعتمرون قبعات صوفية سوداء شتاءً، وقبعات من القشّ صيفا.
و أيضا البهرة: يرتدون ملابس بيضاء وكوفية بنفس اللون ومزخرفة بخيوط ذات اللون الذهبي.
أما الدروز: ارتداء الخشن من الثياب وأسود اللون منها ورفضهم التزيُّن، أو استخدام الذهب أو الفضة أوغيرها. كما إنَّ قيافة السلوك بين العُقَّال واحدة ولا يستحبّ لأيِّ منهم أن يبالغ في نوع القماش أو الهندام بغية أن يرفع نفسه على الآخرين، وهذا ما يقوي فيهم روح الزُهد والخضوع لله والتساوي والأخوة والتواضع في السلوك. الشروال والصدرية المزررة وحتى العمائم.
النساء التنورة السوداء، وأحياناً الكحلية الفضفاضة الطويلة حتى محاذاة الكعبين، والقميص اللائق غير الشفاف وطويل الكمّين، والمنديل الأبيض الكبير الذي هو حجابٌ يغطي الرأس والصدروالظهروالفم بل والأنف أيضاً لدى بعض المتورّعات التقيّات، وهذا ما يُسمّى “اللَّثمة” أو “الستحة” بحيث لا تظهر المرأة الموحِّدة إلاَّ عينيها.

على الجانب الاخر نجد أن الشعب الايطالي أكثر إقبالا على الألوان الزاهية تماهيا مع حبهم للطبيعة وعشقهم للفنون بشكل عام، وللفنون التشكيلية ودمج الألوان مكانة خاصة لديهم.

بينما يميل الشعب الانجليزي للألوان الداكنة كالأسود والرمادي، وهو لون يدل على القوة والعمليّة والاحترافيّة، ويلجأ إليه أغلب رجال وسيّدات الأعمال ويرتبط بالسلطة والأناقة.

وأنا انحاز لفكرة احتفاظ المرأة العاملة سواء في مجال الاقتصاد أو السياسة بمظهرها الأنثوي فلا داعي أن تتقمص دور الرجل لتصبح أكثر اقناعا بل على المراة أن تكون ( امرأة مقنعه ) بجمالها والوانها المحتشمة

وتعبر الهيئة والمنظر أيضا عن الانتماء الديني أو المذهبي والسياسي، فزي رجل الدين السني يختلف في شكله عن نظيره الشيعي، وفي الغالب يتزعم كوادر وقيادات حزب الله إلى ارتداء ملابس مميزة في شكلها وهيئتها عن غيرها من رجال السياسية في سوريا أو الأردن ومصر وغيرها من ملابس الأحزاب الأخرى الدينية أو الدلالة الطائفية أو المذهبية. والمرأة الداعشية اتخذت لنفسها زيا أسمته زيا شرعيا يأخذ شكل السروال، هو بالأصل زي أفغاني كان يرتديه عناصرالتنظيم في محافظة نينوى والمناطق التي يسيطرعليها بالعراق كما أنني ألاحظ أن النساء السلفيات أكثر قربه من لَبْس العباءة أما المنتميات إلى الإخوان المسلمين يرتدين الجلباب و الخمار والكفوف أما الرجال فالسلفية تطيل اللحية و تصبغها بالأحمرإذا ابيضت أما الإخوان فلا تكون بذاك الطول و بعض الأحزاب يرفضن لَبْس رباطة العنق (الگراڤات).

إن الملابس يمكن أن تعطينا انطباعات عن الثقافة والهوية المميزة لكل بلد ومجتمع، فالرجل اليساري لا يهتم كثيرًا للمظهر أو هيئته فغالبا ما يترك شعره دون تهذيب ويطلق لحيته، ونجد المرأة الشيعية ترتدي حجابا يغطي رأسها و يكون حجابها فوق ذقنها وعبائتها واسعه جدا كما نجده في إيران وجنوب لبنان والعراق.
ترتبط الهيئة والمظهر العام ايضا بطبيعة المهنة أو الوظيفة التي يمتهنها الأشخاص. فنجد الدبلوماسيين يرتدون أزياء كلاسكية ومهندمة ما يعطهم هيبة ووقار، كذلك ترتدي زوجاتهم ملابس يغلب عليها الأناقة والوقار حتى أحذيتهن لابد وأن تكون مغلقة من الاأمام.
بينما أزياء الفنانين والفنانات تكون أكثر بهجة وعصرية واتباعا لخطوط الأزياء العالمية بل والتفنن في تصميمها بشكل يجعلها ملفتة للأنظار، وأغلب الفنانين يرون أن الأزياء التي يرتدوها تؤدي دورا مهما لجلب الاهتمام. ولأن الرسامين والموسيقيين والكتاب هم أيضا في دائرة الضوء، فان مظهرهم يترجم شخصياتهم المبدعة التي تميل إلى التحليل والعمق والتحليق، فترى شعرهم طويل أو يرتدون الكاب، وقد يجنحون للبساطة بارتداء قميص وبنطال، أو اختيار ألوان مبهجة بحسب الحالات المزاجية التي يمرون بها.
حتى النساء الكاتبات يملن للبساطة في ملابسهن، حتى أنهن يمتنعن عن صبغ شعورهن حتى لو ظهر فيها الشيب، ويمتنعن أيضا عن استخدام مساحيق التجميل.

قضية الملابس اخذت عمقا في التاريخ حيث أنني قرأت خبرا منذ مدة أنه عثر علماء الآثار على أكثر من 60 أداة عظمية في كهف يقع في المغرب على ساحل المحيط الأطلسي، العثور عليها تحدد تاريخ بداية ارتداء الملابس حيث كان القدماء يستخدمونها في صنع ألبسة جلدية وفراء، الإنسان العاقل بدأ باستخدام الملابس في أواخر العصر البليوسيني، ولكن ليس بمقدورهم تحديد ذلك بدقة أكبر؛ كون والفراء والمواد العضوية المستخدمة في صنعها محفوظة بصورة سيئة. لذا عكف العلماء على محاولات العثور على أدلة غير مباشرة لتاريخ ظهور الملابس عند البشر.
يقول الباحثون إن 62 أداة عظمية مستخدمة لمعالجة وتنعيم جلود الحيوانات الموجودة في كهف في المغرب قد تكون من أقدم الأدلة على الملابس في السجل الأثري. الأدوات عمرها ما بين 90 ألف و120 ألف سنة، بحسب شبكة ( سي إن إن).

و لعل اهتمام المراة العراقية في مكياج العيون في عصرنا هذا له جذور تاريخية
حيث
عرف الكحل منذ الألف الثالث قبل الميلاد في العراق كما ورد في النصوص السومرية أن الإلهة الجميلة انانا (عشتار) عندما كانت تستعد للنزول للعالم السفلي وضعت على عينها مرهم يدعى (ليته ياتي) والكحل كان عبارة عن مرهم يوضع على العينين بواسطة دبوس من العاج

كذلك نجد أن الهيئة والمظهر العام للمجتمعات والبلدان تختلف حتى داخل البلد الواحد نتيجة انعكاس الأبعاد الاجتماعية والدينية والمذهبية والسياسية والثقافية والفنية، فهو مسرح كبير يعج بكل الألوان والأطياف نرى فيه العجب ونستمتع معا بهذا الاختلاف.