السبت 20 أبريل 2024 11:07 صـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

السياسة والبرلمان

أيمن سلامة : إعصار شاهين في عُمّان و تاريخ المساعدات الإنسانية

النهار نيوز

يَضرب مبدأ المساعدات الإنسانية بجذوره عبر تاريخ البشرية ، بيد أن المفهوم الحديث للمساعدات الإنسانية ظهر بالفعل منذ النصف الأخير من القرن العشرين، من خلال التطور الدراماتيكي المعقد للأحداث العالمية والتي تسببها لحد كبير النزاعات المسلح .

وعلى نطاق واسع ، كان تقديم المساعدة المادية للأشخاص المحتاجين حاضراًعبر تاريخ البشرية ، غالبًا في شكل مساعدات غذائية أو مادية يتم تقديمها أثناء المجاعة أو الجفاف أو الكوارث الطبيعية، ومع ذلك ، لم تنبجس الأمارات الأولي للمفهوم الحديث لنظام المساعدة الإنسانية وتقديمها المساعدة بشكل غير متحيز ومستقل ومحايد لمن يواجهون خطرًا مباشرًا ؛ إلا منذ منتصف القرن العشرين.

على الرغم من أن نظام المساعدة الدولية نشأ لأول مرة بعد الحرب العالمية الأولى مع معاهدة فرساي عام 1919 ، إلا أن التعريف المقبول على نطاق واسع للمبادئ الأساسية للمساعدات الإنسانية تم تضمينه في فقه القانون الدولي التقليدي منذ تسعينيات القرن العشرين .

تتنوع الفلسفات و الأسس التي تقوم عليها المساهمة في العمل الإنساني، ولا تقتصر علي الشرائع السماوية ، ولكن تمتد لتشمل العديد من المبادئ و الأساس القانونية المنادية بالتضامن الإنساني لغوث المكروبين جَرّاء الكوارث و الملمات فضلا عن النزاعات المسلحة .

كان للصدقة المسيحية السائدة في الغرب ، والتقليد الإسلامي للزكاة ، وكذلك المفاهيم الأخلاقية للسلوك المناسب في زمن الحرب، فضلا عن القضايا القانونية التي أطّرها القانون الدولي الإنساني – قانون النزاعات المسلحة - المحيطة بمعاملة االمحاربين والمدنيين أثناء النزاع المسلح التأثير الأكبرعلى تنظيم المساعدات الإنسانية في الأنظمة التي نراها اليوم .

خلال جائحة الموت الأسود في العصور الوسطى ، تم إنشاء مجالس الصحة العامة للتعامل مع العزل والحجر الصحي والتخلص من الجثث ويمثل ذلك البدايات الحقيقية لما يمكن أن يسمى طب الكوارث.

بينما يُنظر إلى المساعدات الإنسانية اليوم على أنها استجابة للكوارث الطبيعية مثل الأعاصير والزلازل والأعاصير المدارية ، كما في حالة إعصار شاهين في سلطنة عُمّان ، إلا أنها كانت ذات يوم مرتبطة بشكل حصري تقريبًا بالصراع العسكري المسلح .

يرجع الفضل للجنة الدولية للصليب الاحمر التي قَننت المبادئ العرفية للمساعدات الإنسانية في عدد من المواثيق الدولية المعنية بالنزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية ، حيث طرح الناشط السويسري هنري دونان مفهوم العلاج المناسب للجنود الجرحى في "ذكرى سولفرينو" واقترح إنشاء الصليب الأحمر في عام 1863، التي تعد المنظمة الرائدة في مجال العمل الإغاثي الإنساني .

اعتمدت منظمة الأمم المتحدة في العاشر من ديسمبر عام 1945 الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، وفي الوقت نفسه ، تم إنشاء العديد من منظمات الأمم المتحدة مثل اليونيسف ومنظمة الصحة العالمية ومفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين

بعد الحرب العالمية الثانية ، كان هناك نمو مفاجئ وغير مسبوق للمنظمات غير الحكومية ، وبدأت المعونة تصبح أكثر عالمية مع التقدم المتزايد في النقل والاتصالات ، وبدأت في التحول من أوروبا إلى الأجزاء الأقل نموًا في العالم، واستخدم مصطلح "العالم الثالث" في البداية لوصف البلدان غير المتحالفة مع أي من قطبي الحرب الباردة .

ترسخت أفكار التنمية والتخلف المجتمع الحديث بعد انهيار الإتحاد السوفيتي السابق في عام 1991 مع انتشار المنظمات غير الحكومية ، كذلك انتشرت الحملات الإعلانية التي تحتوي على صور لأطفال يتضورون جوعاً ، معظمهم أفارقة ، وشهدت الأعوام الأربعة 1991-1995 إنشاء أكثر من 200 منظمة .

يتسم العصر الحديث إلى حد كبير بتحول في التفكير من تقديم المساعدة على المدى القصير وتخفيف المعاناة إلى التنمية ، التي تقدمها إلى حد كبير الدول المتقدمة .

يُعزى النمو السريع للمنظمات غير الحكومية ومنظمات المعونة إلى العديد من الأسباب ، بما في ذلك الحاجة المتزايدة في حقبة ما بعد الاستعمار ، وانتشار الكوارث الطبيعية والتي من صنع الإنسان ، ونظام عالمي متكامل بشكل متزايد .

إن وجه المساعدات الإنسانية اليوم مُعقد ، مع مئات إن لم يكن الآلاف من المنظمات غير الحكومية والمنظمات الأخرى من العديد من البلدان التي تقدم مجموعة متنوعة من المساعدات وجهود التنمية.

تُؤثر النزاعات المسلحة والكوارث الطبيعية على عدد متزايد من الناس، وتدليلا ، بين عامي 1980 و 2004 ، قُتل مليوني شخص وتضرر خمسة مليارات من حوالي 7000 كارثة طبيعية مع تكاليف اقتصادية واجتماعية مذهلة.

تُوفر المنافذ الإعلامية على مدار الساعة للجمهور تغطية واسعة النطاق للعديد من هذه الكوارث الطبيعية والصراعات ، وتوفر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي سهولة الاتصال والتنظيم وجمع الأموال، وقد أدى هذا الانتشار إلى تطورات إيجابية وسلبية أيضا في توفير المعونة ، ومن المُرجح أن يستمر في التأثير بشكل كبير على إيصال المساعدات في المستقبل البعيد.

هناك أربعة مبادئ أساسية تحكم المساعدات الإنسانية: الإنسانية والحياد وعدم التحيز والاستقلال، وقد وضعت هذه المبادئ رسميًا من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1991 (الإنسانية وعدم التحيز والحياد والإستقلال ) وأكدت هذه المبادئ اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

تشير الإنسانية إلى تقديم المساعدة لجميع المحتاجين ، حيثما وجدت الحاجة ، بهدف حماية واحترام جميع البشر، والحياد هو مسؤولية منظمات الإغاثة عن عدم الانحياز إلى أطراف النزاع أو تفضيل اتجاه سياسي أو ديني أو أيديولوجي معين ، كما يتطلب الحياد تقديم المساعدة على أساس الحاجة وحدها وليس على أساس أي فروق أخرى بما في ذلك الجنس أو العرق أو الجنسية أو العرق أو الطبقة أو الحزب السياسي أو المعتقد الديني، و أخيرًا ، يشير الاستقلال إلى شرط أن تكون منظمات المساعدة مستقلة عن أي أهداف سياسية أو عسكرية أو مع وضع تلك الأهداف في الاعتبار .

إن التضامن الإنساني مع الدول المكروبة بالكوارث الطبيعية ينطلق من رؤية إنسانية في المقام الاولي ، وإقراراً بالكرامة الإنسانية والمسؤولية الإنسانية والأخلاقية، وبعيدًا عن أي انحياز سياسي ، وذلك التضامن مع الدول و الشعوب المكروبة يعكس، بلا ريبة ، الإيمان بأهمية بناء عالم جديد قائم على السلام والعدل والتضامن والتعاضد والتآلف”مجتمع المصير المشترك للبشرية” .

وختاما ، وبلا ريبة أو مبالغة ، فالمجتمع الدولي مدين للدولة التي ما فتئت تحفظ السلم و الامن الدوليين ، وتقدم آياديها البيضاء من خلال وساطتها ومساعيها الحميدة بين الدول المتنازعة منذ استقلالها في عام 1970 .