الدكتور أيمن سلامة : سد النهضة و عقد جلسة عاجلة لمجلس الأمن .

يُعد الحفاظ علي السلم والأمن أول أهداف المنظمة الدولية، بل الباعث الرئيسي لإنشائها هو ذات الهدف الأسمي المُشار إليه ؛ ولذلك تلتزم كافة الأجهزة والأفرع الرئيسية للمنظمة ووكالاتها المتخصصة بذلك الهدف ؛ فلا جَرَم أن يعلو ذلك الهدف علي أية أهداف أخري لهذه الأجهزة و الأفرع و الوكالات ؛ لهذا كان الحفاظ علي السلم و الأمن الدوليين عمود الرحي الذي تدورعليه كل أهداف و مبادئ هيئات المنظمة المختلفة ، فأضحي نص المادة الثالثة و الثلاثين من ميثاق المنظمة مرجعاً هادياً للأمم المتحدة في ذلك السياق ، حيث تُحدد المادة الوسائل السلمية المختلفة لتسوية المناواعات الدولية ، كما يلي " يجب على أطراف أي نزاع من شأن استمراره أن يعرض حفظ السلم والأمن الدولي للخطر أن يلتمسوا حله بادئ ذي بدء بطريق المفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية، أو أن يلجأوا إلى الوكالات والتنظيمات الإقليمية أو غيرها من الوسائل السلمية التي يقع عليها اختيارها" .

أَوكَل ميثاق منظمة الأمم المتحدة إلي مجلس الامن مهمة الحفاظ على السلم والأمن الدوليين ، أحد أهم أجهزه منظمة الأمم المتحدة باعتباره الجهاز التنفيذي فيها وباعتباره أيضاً النائب عن المنظمة الدولية في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين وإعادتهما لنصابهما حين يحدث إخلال بهما ، وهنا فالمجلس هو صاحب الاختصاص الأصيل والرئيس في الصدد المشار إليه ، وحين يضطلع المجلس بواجباته التي تفرضها عليه هذه المسؤولية المُتجسدة في ميثاق المنظمة يتخذ ما شاء من قرارات أو توصيات أو بيانات مختلفة للحفاظ علي السلم و الأمن الدوليين .

خَوّل الميثاق مجلس الأمن سلطات واسعة تقابل المسؤولية الكبيرة التي تقع علي كاهله فصار المجلس يمارس اختصاصين مختلفين حين يضطلع بمسؤوليته المهيبة ، فبموجب الفصل السادس من ميثاق المنظمة الموسوم " في حل المنازعات سلما " يباشر المجلس مهامه التوسطية بين أطراف النزاع الدولي لمنع تفاقم ما قد يؤدي إلى تهديد السلم والأمن الدوليين ، وفي هذه الحالة يلعب المجلس دورًا وقائياً قبل استفحال الإحتكاك أو النزاع الدولي ، أما النوع الثاني من الاختصاص فهو ذات الدور الذي يلعبه رجل الشرطة الذي يكبح الجرائم ويمنع الجريمة و يضبط المجرمين ، لذلك ذهب الثقات من فقهاء القانون الدولي لَوسم الإجراءات والتدابير التنفيذية التي يتخذها المجلس وفقا للفصل السابع من الميثاق بالتدابير البوليسية ، ولكن المجلس حين يمارس التدابير الكبحية التي تتدرج لتصل استخدام القوة المسلحة لردع الأفعال المهددة للسلم و الأمن الدوليين فعليه أن يقوم بداءة بتقرير ما إذا كان قد وقع تهدد للسلم أو إخلال به أو كان ما وقع عملا من أعمال العدوان .

طلبت مصر يوم الجمعة 25 يونيو من مجلس الأمن مصرعقد جلسة لاضطلاع المجلس بمسؤولياته بخصوص النزاع حول سد النهضة ، وكان وزير الخارجية المصري صرح أيضًا أن مصر واصلت التفاوض في إطار وجود الاتحاد الإفريقي برئاسة دولة جنوب إفريقيا ومن بعدها الكونغو الديموقراطية، إلا أنه لم يتم التوصل

لنتيجة مؤكداً أن مصر تستخدم الأليات الدولية المعنية و المختصة بتسوية النزاعات الدولية ، وعلي الجانب الأخر ترفض إثيوبيا بشدة الطلب المصري و تزعم أن مجلس الأمن غير أَهل لتناول النزاع الذي لا يزال في حوزة منظمة الإتحاد الإفريقي .

تَكثر التعقيدات و التحديات التي تواجه مجلس الأمن في اتخاذ قرار تصبو إليه كلا من مصر والسودان علي شاكلة مطالبة إثيوبيا دولة المنبع للنيل الأزرق بوقف استكمال تشييد السد فضلا عن التوقف عن الملء الثاني لسد النهضة ، فمجلس الأمن لم يُخَبَر من قبل بمثل هذه النزاعات الدولية التي يكتنفها أمور فنية وقانونية معقدة ، فضلاً عن أن الدول الخمسة دائمة العضوية و المهيمنة علي مجلس الأمن ما فتئت تكرر في الآونة الأخيرة أنها تؤيد المفاوضات الثلاثية بين أطراف النزاع تحت رعاية منظمة الإفريقي ، ولكن ربما يكون العائق الأكبر في صدد انعقاد مجلس الأمن في قابل الأيام ، وأن يتخذ المجلس "قراراً" بالمفهوم القانوني الملزم للقرار

و الذي يُعَدِل من المراكز القانونية لأطراف النزاع ، أن منظمة الإتحاد الإفريقي التي تربطها بالأمم المتحدة و مجلس الأمن علاقة متفردة عن سائر المنظمات الإقليمية لم تخطر المجلس بعد بمقترحاتها لتسوية ذلك النزاع ، أو تخطره باخفاقها في التوصل لتسوية للنزاع .