الأحد 16 فبراير 2025 07:52 صـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

أدب وثقافة

إضاءة نقدية لنص: هلوسات غير مجدية للأديبة آمال صالح

النهار نيوز

يكتبها: الناقد حسين حسناوي

هلوسات غير مجدية

أفتح التلفاز... أراها تتناوب الحدث الجلل... موت بطيء يلف الكون... وأحيانا نحن ندعمه.
أقلب في هاتفي لعلي أجد وردا وحروفا موشاة بروح...
مررت كثيرا بين العالمين... اتفقا على تكرار هلوسات...
وكيف نحن...؟
كيف حالنا... ؟
قلوبنا أصابها إحباط العصر... المكالمات التي لا تصلنا... والأصوات التي بدون صدى... ليحيي واجهات المغازات... حين نمر بها لا تعكس مراياها خيالاتنا...
وكأنني أراها تهزأ بنا... وتقول أنا هي الطاغية...
قلوبنا تصدعت وهي تقاوم ما ليس له آخر...
كيف نحن بين مدارات العالم الحديث... وكل ما فيه مهترىء... بشع...
نحدث أنفسنا... بيوم يعود فيه الوجه إلى ملامحه... ونظرات تبعث فينا ما فات بين الأزقة الملتوية...
الطريق جميل بوجود نظرات تتكلم... تفضي بالحنين... تعاتب... وحتى حين تسكت عن الكلام... نعانق الوجود من خلال عمقها...!
????????????

لقد جاء النص محزنا مؤلما مشابها ليومي استطاع أن يجعل شعري يقف عندما كنت أتابع نشرة الأخبار لتشريد الأسر السورية وبعض المناطق في العراق ومثله في تونس والسودان وأغلبية الأوطان العربية، إذا بي يقفز نص هلوسات غير مجدية في رأسي ويقذفني تحت قدميه لأعيد قراءته بهذه العين.فعلا أنها لطامة كبرى ما نعيشه من واقع مؤلم. كما جاء مختلفا عنك لما قلبت هاتفي وجدت من يخبئون الورد في كلماتهم .. وفي أسطرهم ثُم يبعثون بها إلى القلوب .

أن النص لم يتناول العالم الحديث وصراعاته وأزماته الاجتماعية فحسب، أو إهمالا للعالم الداخلي للإنسان، فقد جاءت بهذا النص تحولات للموجة النثرية الأولى للاستهلال النصي بمثابة نقلة من عالم السطوع إلى عالم الأعماق، أي من العالم الخارجي إلى العالم الداخلي لذات الإنسان وعمقه الدلالي..لمن يصيبهم الدمار كل لحظة في أتون الصراع الدائر والحرب الضاروس لاستجلاب عطف المشاهدين، وبالله أني لأرى المشاهدين هنا، هم كل العالم الذي يشاهد الأحداث ويرى ما يحدث من حوله لمعظم الدول العربية ولا يحرك لهم ساكن، حتى باتت كل الشعوب والأسر العربية تستجلب عطفهم كما السائل السخيف الذي يطلب طلبه بإلحاح من غني جاحد له دوره الأول في فقره وحاجته..
لذالك كان السرد من الداخل إلى الخارج

ا ــ بؤر التفكيك
تقول الكاتبة … [.. قلوبنا اصابها احباط العصر المكالمات التي لا تصلنا .... والأصوات التي بدون صدى ...ليحي واجهات المغازات ... حين نمر بها لا تعكس مراياها خيالاتنا ...وكانني اراها تهزأ بنا ...]
انشغال الداخل بالخارج كما مرايا تعكس الخيال ..
ب ــ تشظي اللغة:
ولَّدت الكاتبة لغة مخصوصة مبنية بناءََ فنياً وبنيوياً على مجموعة من المظاهر والأنساق البنيوية التجريبية في مستوى الأسلوب واللغة والبلاغة فهي حين تورد وجهة النظر بقولها:
[..قلوبنا تصدعت وهي …]
فقد وقع توظيف الضمائر السردية [..هي …]، وغير ذلك من المكونات التي تخلخل النسق التقليدي للكتابة التقليدية.
جــ الميتاسردية:
لقد استهلت الكاتبة حديثها بأنها إنما تباشر سرد نصها من منظور كتابة نص نثري أو قصصي محدد الملامح من خلال التماس مع وجوه عدة للكتابة..
كما وقع توظيف التقنيات الميتاسردية المتعلقة بذات اللعبة الميتاسردية والتي برزت بشكل واضح في الدلالات التي تستدعي مفردات من مثل [ كيف نحن بين مدارات العالم / الأزقة الملتوية / ..]
فتعطي الكاتبة إطلاعا على مميزاتها ومحاولة نقل التجربة للقارئ و لنا كمتلقين..

ثانيا :الفكرة وتسلسل الاحداث
كل هذا ساعد على اِقتناص هذه اللحظة وتجسيدها عبر سردا ممتعاً, يجعلنا نقفُ عند إنزياحاته التي مثلت الحركة الحيوية للنص.
في المتن :
في سطرها الثاني “لعلي اجد وردا وحروفا موشاة بروح” هي تبحث عن عاشق ذي هوية ومعالم يمكن أن تطابق كل الافتراضات، فيمكن أن يفترضه القارئ إنسانا ويمكن أن يكون مبدأ أو قيم أو عقيدة أو شيء ليس من هذا كله، إن هذا المستوى العالي في صياغة صورة متعددة المعالم، ويمكن تشكيلها إلى أكثر من مظهر، هو بحد ذاته إبداع في صياغة الصورة وبراعة في طريقة تقديمها إلى ذهن المتصور، هي مقدرة عالية في طرح ما تريد بطريقة منسجمة مع ما يرغب المتلقي في تصوره مع احتفاظها بخصوصية القصد عكس السطر الاول الواضح مخاطبة العالم والمحتوى التصويري الخاص بها.في وجه العالم الحديث، مع احداث عظيمة وجليلة متلاحقة في وجه إنسان اليوم والحقب المتوالية من الإنسان القادم، وكأنها تقول وبملء فمها: “انظروا إلى أين تتجهون بالإنسان المعاصر والقادم.. إن رحى الحروب المتكررة لن تكتفي بإبادة الجنود على أرض المعركة فقط، بل تطال الإنسان خارج أرض المعركة الذي ظن أنه آمن في بيته وفي عمله وفي الشوارع والميادين، ولم يكن الأوجع للإنسان المدني أن تطاله هو الآخر صواريخها وقنابلها حيث كان، بل هي تقتل وتدمر النفس البشرية كافة، وهي الدمار الشامل على أمد التاريخ وخاصة ونحن احيانا لنا يد في ذالك ” فما أوجع ما قالته الكاتبة وصرخت به. كما تستحضر الكاتبة آمال صالح أيضاً مشهد العالم فتصور حاله مهترئ .. بشع مجسما بهيئة " طاغية "عبر انزياحات مثلت عدسة التصوير. لذا جعلتنا نتذوق حلاوةً سرديةً, "الطريق جميل بوجود نظرات تتكلم ” تبرز في هذا المقتطف الانزياح اللغوي كعنصر إدهاشي حيث تحاول الكاتبة التلاعب بتلابيب اللغة لإحداث خلخلة في ذهن المتلقي فقولها هذا إنما هو استعارة صفات الشيء المعنوي وإضافتها إلى شيء مادي ملموس إﻻ وهو العالم ، فإذا أعدنا صياغة الجملة نقول على مسافة مهترئة نمشي نحو طريق جميل على سبيل المثال، وسوف لن نقف عند هذا الحد إذ تدهشنا بانزياح آخر متداخل ضمن نسق الجملة أﻻ وهو “نظرات تتكلم” وبذلك استعارت من الحواس ما يجسد مجساً لقياس حالة البشع والخوف وتصطبغ بها العالم ، والملاحظ أن هذا التشكيل ساعد على إعطاء دوراً للهلوسات في التحول في لعبة التأثير والتأثر على المتلقي فانزياح التعاطف مع الشيء الحيوي كشخصية في سياق الحدث إنّما هو تحريكاً للمشاعر الإنسانية صوب التسامي والرقي الإنساني, وتعد هذه الطريقة ناجعة جداً في إعطاء هلوسة وإخداع المتلقي في التفاعل معها عاكسة القصدية التي يتوخها النص.
لذالك اعتمدت الكاتبة على تقنية الوصف وخاطبت فيها حواس القاريء فكانت تصف الطريق والوجوه لتجعله قادرا على تكوين صورة لشخص أو مكان أو حدث بعينه.

يتبع ...