د. محمود ابوعميرة يكتب في يوم العيد : اصنع السعادة تنال منتهى السعادة

مع انقضاء الشهر الفضيل يستقبل الناس عيد الفطر المبارك، عيد البهجة والسعادة، عيد مَن عمروا أيام رمضان ولياليه بالطاعة، فحقّ لهم أن يفرحوا بنعمة الله عليهم بإتمام العدة، ليكبّروا الله على ما هداهم، ويشكروه على ما تفضل به عليهم وأولاهم ووفقهم الى الصيام والقيام والدعاء.

ويأتي العيد ليحقق عنوان الفرح والسعادة في نفوس الجميع كبارا وصغارا ، لان الحاجة الى الشعور بالسعادة في ايام العيد هو امر موافق للفطرة الإنسانية المجبولة على حب السعادة والسرور، ففرحة العيد ربما تذيب الجليد وتحرك المياه الراكدة بين الفرقاء فهو مناسبة رائعة للتصالح والتسامح والسمو بالروح والنفس الى اسمى معاني الرقي والعفو ' وفيه ترى الفرح والسعادة التي تجعل النفوس تقبل على عمل الخير فمشاعر فرحة العيد تلين لها القلوب القاسية.

والانسان الرائع في هذه الحياة لا يصادر مشاعره ولا يحجب عواطفه، وإنما يرشدها ويوجهها لتعود الى النفس والروح بالسعادة وتملئ القلب باجمل ما يرحه وينعشه في هذه الايام . يقول الله تعالى: (قُلۡ بِفَضۡلِ ٱللَّهِ وَبِرَحۡمَتِهِۦ فَبِذَٰلِكَ فَلۡيَفۡرَحُواْ هُوَ خَيۡرٞ مِّمَّا يَجۡمَعُونَ ) (يونس ٥٨)

وفي ايام العيد تتجلى روح العطاء وتجري المحبة في دماء الجميع لتبعث فيهم روح المودة والإخاء ولتذهب عنهم الضغائن وتسودهم الالفة، فالرائعون في اوقات العيد هم من ينشرون الحب و السعادة من خلال قدرتهم ورغبتهم في إسعاد الاخرين وبث معاني الرحمة والانسانية.

وبذلك فالعيد مجال رحب واستثمار جيد لنشر بذور المحبة والمودة التي نتمناها جميعا لانفسنا وللاخرين

والطريق الوحيد الى السعادة في هذه الحياة هو إسعاد الآخرين، فالانسان لا يعيش في هذه الدنيا بمفرده فمنذ لحظة وصوله اليها لم يكن وحيدا وانما نزل اليها محاطا بالبشر ليستقبلوه وتبدا رحلته فيها دون ان يستطيع الاستغناء عمن حوله.

والانسان بطبيعته لا تكتمل سعادته إلا بوجود الآخرين فلن يكون سعيدا ابدا بمفرده وبدون السعادة يبقى كل شيئ في حياة الانسان بلا قيمة او معني لانها امر حسي مركزه القلب ومنه تُضخ روح السعادة واكسيرها اجمل معانيها إلى سائر الجسد حتى تتجلى اعظم معاني الإنسانية من خلال احاسيسها ومشاعرها النبيلة ' واذا كانت سعادة الدنيا يوما ما ستنتهي فان هناك نوع من السعادة لا تنتهى ابدا الا وهي السعادة الأبدية في الاخرة.

وعن اجمل معني السعادة الحقبقة فقد سأل احد المذيعين في لقاء تليفزيوني احد ضيوفه باللقاء وكان من الاثرياء سأله: ما اكثر شيء اسعدك في حياتك؟! فاجاب الرجل قائلا مررت على اربع مراحل من السعاده في حياتي حتى عرفت معناها الحقيقي الاولى الرغبة في اقتناء المال ولم اجد فيه السعاده التي اردتها الثانيه اقتناء الاغلى من الاشياء الثمينه ولكن وجدت ان تاثيرها وقتي وينطفئ بريقها سريعا الثالثه امتلاك الاشياء الكبيره كشراء منتجع سياحي وغيره ولكن لم اجد ايضا طعم السعاده التي كنت اتخيلها اما المرحلة الرابعة عندما طلب مني احد اصدقائي ان التبرع بشراء كراسي متحركه لمجموعه من الاطفال المعاقين والحمد لله وبالفعل تبرعت فورا بشراء كراسي لكن صديقي اصر ان اذهب معه واقدم هديتي للاطفال بنفسي وفعلا ذهبت معه وقدمت الكراسي للمعاقين وكانوا في اشد الحاجة اليها ورايت الامتنان بي وبالفرحه الكبيره التي ظهرت على وجوه هؤلاء الاطفال وقد صاروا يتحركون بها في كل اتجاه وفي كل مكان وهم يضحكون ويلعبون ملء قلوبهم وكانهم يلعبون في الملاهي فرايت السعادة على وجوههم لكن ما ادخل السعاده الحقيقيه على قلبي هو تمسك احد الاطفال المعاقين برجلي وان احاول ان اخرج من المكان الذي يتواجدون فيه وقد حاولت ان احرر رجلي من يده برفق لكنه ظل ممسك بها بينما عيناه تتركزان بشده في وجهي وبدات اميل اليه لاساله هل تريد شيئا اخر مني قبل ان اغادر المكان فكان الرد الصاعق الذي عرفت منه معنى السعاده الحقيقيه وغير لي حياتي بالكامل قال لي اريد ان انظر الى وجهك طويلا لاتذكر ملامحك حتى اعرفك حين القاك في الجنه واشكرك مره اخرى امام ربي فبكى الرجل ولم يستطيع ان يتمالك نفسه من شده شعوره بطعم السعادة الحقيقة.

فان لم تمتلك المال حاول ان ترسل الابتسامه الصادقه و الكلمه الطيبه الى الاخرين تلك الامور التي بمقدور كل منا ان يفعلها والتي تفعل في النفوس ما لا تفعله الادويه القويه لانها تخترق القلوب وتسعد الروح ولان الاهتمام والاحتواء والمواساة وجبر خواطر الناس خاصة البسطاء منهم كلها افعال جميله نحن في اشد الاحتياج اليها في يوم جعل خصيصا لاجمل ما يقدمه الانسان لمن حوله وهو يوم العيد فما اجمل البشر الذين يتركون بروعة اخلاقهم في نفوس الاخرين راحه لم يطلبوها منهم فتمتلئ قلوبهم بالسعاده التي لم يكن ينتظرونها وكانهم على كانوا على موعد معها ويرسم على وجوههم ابتسامه جميله تمحي اثار الالام والاحزان فيثبت فيهم الامل ويرى في عيونهم بالامتنان والسعادة.

احبتي احسنوا الى الناس في يوم العيد لاسبما البسطاء والفقراء منهم وقدموا اليهم المساعدات المادية ما استطعتم الي ذلك سبيلا لتعينوهم على مصاعب الحياة وقسوتها فان لم تستطيعوا فقدموا اليهم الابتسامة والكلمة الطيبة تعود اليكم في الدنيا وتحصدوا ثمارها اليانعة في الاخرة في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر واعلموا احبتي ان من يزرع الخير يجد خيرا ومن يزرع الشر يحصد مرارته يقول تعالي﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ﴾ ويقول ايضا : ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)

وتاكدوا احبتي ان من يقدم الحب يحصد معانيه الرائعة ومن يصنع الكراهية لا يلوم الا نفسه.

وهنا يحضرني قول الشاعر الذي ازهلني بروعته..

قد يعشق المرء من لا مال في يده ويكره القلب من في كفه الذهب ما قيمة الناس الا في مبادئهم لا المال يبقى ولا الالقاب والرتب.

كل عام وانتم بخير.. عيد سعيد مبارك ان شاء الله.