أيمن سلامة : ماهية التدابير التحفظية التي طلبتها جنوب أفريقيا من محكمة العدل الدولية


درجت محكمة العدل الدولية لمنظمة الأمم المتحدة علي إصدارأوامر قضائية ملزمة تتضمن ما يعرف بالتدابير التحفظية المؤقتة ، وتهدف هذه التدابير من جملة أمور إلي منع تفاقم النزاع المهدد للسلم و الأمن الدوليين ، وتعد الأوامر التي تتخذها المحكمة في هذا الصدد أحد السبل المهمة التي تضطلع المحكمة من خلالها بتحقيق وظيفتها الهامة وهي التسوية السلمية للنزاع الدولي الذي يهدد السلم والأمن الدوليين أوالذي من شأن استمراره تهديد السلم و الأمن الدوليين .
وتتميز هذه التدابير ببعض الخصائص فهي تدابير مؤقتة لا تتسم بالدوام فلا ترتبط موضوعيا و لا زمانيا بأصل الدعوي حتي النطق بالحكم القضائي المبرم للمحكمة ،وهي أيضا تدابير وقائية احترازية، وتسقط بمجرد صدور الحكم النهائي في النزاع، كما أنها قابلة للتعديل والإلغاء وذات طبيعة استعجالية .
جلي أن السعي الحثيث من جانب القضاء الوطني أو الدولي ، يستوجب على القاضي المختص ، في إطار عدالة جيدة، أن يصدر قراره في الحالات المستعجلة في مدة معقولة ، وهو الأمر الذي درجت عليه محكمة العدل الدولية حتي يكون للأوامر الاستعجالية التي تصدرها المحكمة جدوي و أثر هام في حفظ حقوق الطرف الذي يطلب من المحكمة اصدار هذه الأوامر ، فضلا عن المساهمة الكبيرة لهذه الأوامر و التدابير التي تتمخض و تترافق معها في منع تفاقم النزاع المهدد للسلم و الامن الدوليين ، والذي يتضمن جريمة الإبادة الجماعية المدعي ارتكابها من قبل إسرائيل .
جلي أن عامل الزمن مهم للغاية في بعض الحالات، بل قد يشكل درجة من الخطورة، من شأنها أن تؤدي إلى مالا يمكن إصلاحه في بعض الحالات والمواقف ، ولعل استمرار المحتل الإسرائيلي في ارتكاب جريمة الجرائم الدولية ( الإبادة الجماعية ) مثالا صارخا يضرب في هذا الصدد .
ويقدم الطرف المتضرر وعادة المدعي في الدعوى طلبا بالتدابير التحفظية إلى القاضي بهدف وقف العمل الضار وتفادي وقوع الضرر، وتلجأ المحاكم الدولية أثناء نظرها في النزاعات المقدمة أمامها إلى إصدار أمر تلزم فيه أحد طرفي النزاع، أوكلاهما، بالقيام أو الامتناع عن عمل أو سلوك معين ، وهذا ما طلبته جنوب أفريقيا من المحكمة ، حيث طلبت الأمر بوقف إطلاق النار في قطاع غزة ، ورفع الحصار الجائر علي القطاع ، و إيقاف كافة الأفعال الإسرائيلية التي من شأنها اخضاع الفلسطينيين لظروف معيشية يستحيل معها الحياة الطبيعية ، وهذه الأفعال تعدا أحد أشكال ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية .
جدير بالذكر أن التدابير التحفظية ذات طبيعة استعجالية تتخذ للحد من الآثار المترتبة على مرور الوقت، لأن من شأن الانتظار حتى الفصل النهائي في النزاع أن يؤدي إلى وقوع ما لا يمكن تداركه أو إصلاحه، لذلك فهي تدابير يجب اتخاذها دون تأخير، لحماية حقوق أطراف النزاع، والوقاية من وقوع ضرر لا يمكن جبره.
يمكن تقديم طلب التدابير التحفظية مع العريضة الأساسية أو الطلب الأساسي في الدعوى، ويمكن تقديمه أيضا طوال مراحل القضية طالما لم يفصل فيها بحكم نهائي، وتأخذ بهذا النهج المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وهنا يمكن لبوليفيا حال تقديمها الطلب بالتدخل في الدعوي مع جنوب أفريقيا وقبل بدء الجلسات أمام المحكمة أن تطلب أيضا من المحكمة ذات الطلبات التي طبتها جنوب أفريقيا باتخاذ تدابير تحفظية مؤقتة ضد إسرائيل ، أو تطلب الأمر بتدابير تحفظية مؤتة مضافة لما طلبته جنوب أفريقيا في التاسع و العشرين من ديسمبر عام 2023 .
وتتمتع المحكمة بسلطة الإشارة بالتدابير التحفظية من تلقاء نفسها proprio moto، في حالة لم يتقدم أي من أطراف النزاع بطلب التدابير التحفظية؛ فبموجب سلطتها التقديرية، يمكن أن ترى أنه يتوجب الأمر بمثل هذه التدابير لحفظ حقوق أطراف النزاع، أو تجنب ضرر لا يمكن إصلاحه فيما بعد، وهو الضرر الجسيم المحيق بالجماعة الفلسطينية في قطاع غزة كما صرحت بذلك جنوب أفريقيا في طلبها للمحكمة ، بمعنى أن المحكمة ترى أن الظروف تستدعي ا لأمر بالتدابير التحفظية.
وتستمد محكمة العدل الدولية سلطتها هذه من نص المادة 75 في فقرتها الأولى من لائحتها الداخلية والتي تنص على أنّ: "للمحكمة أن تقرر في أي وقت، من تلقاء نفسها، النظر فيما إذا كانت ظروف القضية تستدعي الإشارة بتدابير تحفظية يتعين على أي من الأطراف أو على الأطراف جميعا اتخاذها أو التقيد بها".
نفذت العديد من الدول التدابير التحفظية لمحكمة العدل الدولية ، بما في ذلك:
- قضية النزاع الحدودي بين بنغلاديش والهند (1993): في هذه القضية، أمرت محكمة العدل الدولية الهند بوقف بناء السدود على نهر مندابي، الذي يشكل الحدود بين البلدين ، وقد التزمت الهند بهذه التدابير التحفظية حتى صدور حكم المحكمة النهائي في عام 2012.
- أيضا قضية النزاع بين ليبيا وتشاد بشأن الحدود البرية والبحرية (1994): في هذه القضية، أمرت محكمة العدل الدولية ليبيا بتجنب اتخاذ أي إجراءات قد تؤدي إلى تفاقم النزاع مع تشاد ، وقد التزمت ليبيا بهذه التدابير التحفظية حتى صدور حكم المحكمة النهائي في عام 1994.
- صفوة القول ، إن فعلتها خلال أيام محكمة العدل الدولية واستجابت لطلبات جنوب أفريقيا وأصدرت الأوامر العاجلة ضد إسرائيل ، فهل تقوم الدولة التي ما برحت تتشدق بأهداب الديمقراطية بتنفيذ ما يصدر عن محكمة العدل الدولية من أوامر و أحكام قضائية ملزمة .