الجمعة 26 أبريل 2024 06:37 صـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

السياسة والبرلمان

الدكتور أيمن سلامة يكتب : آبي أحمد و دعاية الحرب الشوفينية في إثيوبيا

النهار نيوز

أشار رئيس الوزراء الإثيوبي في معرض خطابه التحريضي و الحشدي الاخير ضد نمور الشمال التيجريين الزاحفين بقوة علي العاصمة الإثيوبية أديس أبابا للعديد من الإشارات السافرة و الإتهامات المباشرة أيضا لبعض الإثيوبيين الذين اتهمهم بالعمالة و الخيانة ، لكن الملفت في هذا السياق استرجاع آبي أحمد الذكريات المماثلة التي وقعت قبل سقوط أديس أبابا في عام 1991 في أيدي النمور التيجريين، وعزي أحد أهم الأسباب إلي حملات التضليل و المعلومات المضللة التي انطلت علي الإثيوبيين قبل و أثناء ذلك الحدث ، ولكنه تجاهل أن النظام الحاكم حينئذ كان نظام " الدرغ " العسكري الشمولي الذي حكم إثيوبيا بالحديد والنار.

من ناحية أخرى ، حذر أبي أحمد الإثيوبيين قائلاً : إنه يجب على الناس توخي الحذر من "دعاية العدو" ويجب ألا ينشروها عن قصد أو عن غير قصد ، كما قال أبي "هدفنا" أن نظهر للأعداء القريبين والبعيدين – في إشارة للدول الأجنبية - أن إثيوبيا لن يتم تفكيكها ؛ لإثبات أن إثيوبيا لن تهزم ؛ ولإحلال السلام والراحة للأثيوبيين ، وهنا من المؤكد أن آبي أحمد يدرك قبل أي أحد من الآحاد المهالك المرتقبة و المصائب الخطيرة التي يمكن أن تحدث جراء سقوط عاصمة أحد أهم لامدن الإفريقية قاطبة .

لم يصب آبي أحمد جام غضبه علي المتمردين المسلحين التيجريين ولكن أيضا شملت اتهاماته لمنظمة الأمم المتحدة ، وكذلك الحكومات الغربية ، و يهدف آبي أحمد و نظامه من خلال دعاية الحرب تحطيم إرادة العدو في القتال ، كما يسعى لتحقيق هذا الهدف من خلال مختلف الوسائل المجربة والمختبرة ، ومن بين هذه الوسائل تضخيم بل وخلق النجاحات العسكرية في الجانب الذي ينشر الدعاية، ويهدف من وراء ذلك إلي إضعاف معنويات العدو من خلال إظهار قدرات القوة المسلحة للجيش الحكومي الإثيوبي والقوة الاقتصادية التي يتمتع بها

أيضا يهدف آبي أحمد إلي التفوق الأخلاقي ضد القضية التي يقاتل العدو- التيجريين - ضدها، فالدعاية بالنسبة لآبي أحمد كغيرها بالنسبة للدول والجيوش النظامية لتلك الدول هي جزء من خطة استراتيجية لتخويف قادة العدو ،لزرع الانقسام بينهم وبين شعوبهم ، ولتحطيم إرادتهم السياسية و النيل من عقيدتهم العسكرية .

يعتقد آبي أحمد أن وصمه لمعارضيه السياسيين والمسلحين بالإرهاب سيكون ضالته المنشودة في عزوفالدول والمنظمات الحكومية و غير الحكومية عن التعامل مع النمور التيجريين ، فذاك الوصم لا يعدو إلا أن يكون إبتذالاً مغرضاً، وفِرية مردودة علي نظام آبي أحمد المتهاوي سياسياً علي أقل التقديرات .

لقد استخدم مصطلح "إرهابي" استخداماً بشكل مبالغ فيه في العصر الحديث لدرجة الإبتزال، وكاد يفقد معناه بالكامل، فالنازيون وصفوا المجمعات الحزبية في أوربا إبان الحرب العالمية الثانية بأنها إرهابية، كما نعت Bernard Ingham المتحدث الرسمي الأسبق لحكومة السيدة مارجريت تاتشر، حزب المؤتمر في جنوب إفريقيا ANC بالإرهابي عام 1987، وفي عام 2000 ذكر نيلسون مانديلا في أحد البرامج التلفزيونية : "بالأمس وصموني بالإرهابي، ولكنني عندما خرجت من السجن جاء كثيرون يأخذونني بالأحضان بمن فيهم أعدائي " ، وفي خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1974 قال ياسر عرفات: "إن الجانب الذي يقف فيه حامل السلاح هو الذي يميز بين الثائر والإرهابي، فمن وقف إلي جانب قضية عادلة ومن قاتل من أجل حرية وطنه واستقلاله ضد الغزو والاحتلال والاستعمار لا يمكن أن تنطبق عليه بأي شكل من الأشكال صفة الإرهابي ".

إن الباعث من وصم الحكومات أي من الجماعات المتمردة المسلحة المعارضة لها و في أحيان أخري حركات التحرر الوطني بالـ "الإرهاب" يقصد به الانتقاص من شأن الخصم، ووسيلة لإضفاء صفات الشر والشيطانية عليه، والتأثير الأساسي لوصم أي مجموعة بأنها "إرهابية " هو بكل بساطة لكي يصعب التحاور أو التفاهم معها .

إن لجوء المعارضين و الثوريين لحمل السلاح ضد القوى الإستعمارية لم يمنع هذه الأخيرة في نهاية المطاف من التفاوض معهم ، ولم تكن هذه الحقيقة مانعا يصعب اجتيازه للتوصل للمفاوضات مع هؤلاء المعارضين والثوريين، وتدليلاً علي ذلك فمعاهدات السلام التي أبرمت بين إسرائيل و أعائها في الماضي القريب – مصر و الاردن – ما كانت لتبرم دون مفاوضات دبلوماسية،ولولا إدراك هذه الدول أنه لكي يحققوا السلام لابد لهم في نهاية المطاف أن يتحاوروا مع أعدائهم.

يعد وصم الدول للمجموعات المسلحة أو المتطرفة أو غيرها التي تتمرد علي الدولة، وتلجأ للعنف المسلح ضد الدولة، بأنها جماعات "إرهابية" عقوبة شديدة من جانب الدولة لهذه الجماعات، ويحفز هذه الجماعات في سياقات مختلفة إلي انتهاكات القانون الدولي الإنساني بواسطة هذه الجماعات، فإدراج الجماعات المسلحة على قوائم المنظمات الإرهابية يٌحد أيضًا ليس فقط من مساعدات المنظمات الإنسانية لها لتحسين امتثالها للقانون الدولي، ولكن أيضا يحظر تواصل المنظمات المختلفة مع هذه الجماعات، ويصير المدنيون العُزل في نهاية المطاف الضحايا الرئيسيين لذلك الإدراج.

ويصل حد خشية المنظمات غير الحكومية من التواصل مع هذه المجموعات المسلحة إلى درجة عزوف هذه المنظمات عن تقديم المساعدات الإنسانية للمدنيين من خلال التفاوض مع هذه المجموعات المسلحة، وبسبب ذلك لقد حذرت منظمة الأمم المتحدة في حالات عديدة الدول من مغبة إطلاق هذه التوصيفات لتلك الجماعات المسلحة لتحقيق مكاسب سياسية على هذه المجموعات .

إن من شأن مفاوضات وتواصل المنظمات غير الحكومية مع المجموعات المسلحة وإقناعها بالانصياع لمبادئ وقواعد القانون الدولي الإنساني بهدف حماية السكان المدنيين أثناء النزاعات المسلحة غير الدولية، يفضى الى انصياع هذه المجموعات المسلحة لهذه المبادئ طالما توخت هذه المنظمات الإنسانية المبادئ السابق ذكرها وفى مجال حث المجموعات المسلحة على التواصل من أجل الانصياع لمبادئ وقواعد القانون الدولي الإنساني ، أيضاً من المهم بمكان أن يتركز الشاغل الرئيس للحوار على العواقب المحتملة لمثل تلك المحادثات على المدنيين، أي ماهية الآثار الإيجابية و المباشرة علي حماية المدنيين و الحفاظ علي حقوقهم بموجب القانون الدولي الإنساني .

باتت الحاجة ملحة، دون أي شك أو ريبة، لضرورة التواصل والتفاوض بين الحكومة الإثيوبية مع المجموعات المسلحة في إثيوبيا ، من أجل الحفاظ على الحقوق الأساسية للمدنيين أثناء هذه النزاعات المسلحة، وتظل حماية المدنيين غير المشتركين في النزاعات المسلحة، سواء الدولية أو غير الدولية – في كل الظروف والأوقات - الباعث والغاية الرئيسية في ذات الوقت، من التواصل مع هذه المجموعات المسلحة .