طلال العامري يكتب :كلمات من دفتر صحفي..ج٥.. سلسلة.. أحداث واقعية..بلا مزاد.. مدينة للبيع!


- كلام دار بيني وبين بعض الأصدقاء
- نوايا التنظيم تنكشف وبدأ الإعلان عن حقبة التشدّد!
- احتلال برطلة وما تلاها وصولاَ لحدود الإقليم..!
- صديقي عليّ يهرب من برطلة!
- الخوف من مراقبة اتصالاتنا وصفحاتنا الشخصية في التواصل الاجتماعي..!
- كيف أفرج عن العاملين بالقنصلية التركية دون أذى؟!
- بقينا نستخدم الموبايل للحالات الطارئة والمقربين فقط
- "صحفي" كاد يغدر بنا عن عمدٍ أو من دونه..!
- أدوار أساسية للنازحين والقادمين من تلعفر والأرياف
- جامع "عائشة" وكرهم قبل احتلال المدينة وبعده
عطفاً على ما جاء بلسان الغراوي من تصريحات، وجدت قلمي يكتب سطوراً وكان ذلك بالتحديد في ٢٧ كانون الأول ٢٠١٤.. قلت فيها..
هكذا نحن وهكذا هم..!!!
لدي سؤال أعلم بأني لن أجد الاجابة عليه عند الغراوي أو غيره، وهو:
في كثير من الأحيان كانت تخرج علينا (النائبة) البرلمانية حنان الفتلاوي صاحبة المقولة الشهيرة (٧ في ٧) وتقول أن أهالي الموصل كانوا يضربون الجيش العراقي بالحجارة ويضايقون كل من يرتدي الزي العسكري..!!
ومن سمع كلام الغراوي يقدر أن يتأكد بعدم وجود الجيش إلا ما ندر، عليه يكون السؤال:
لو كان هناك جيش مثل الذي كان منتشراً داخل الأحياء السكنية وفي السيطرات الكثيرة في الشوارع العامة والأزقّة من التي كانت "فقط" تذل المواطن لا أكثر، لكان "الجيش" على الأقل قاوَم لشهورٍ عديدةٍ ولم يهرب عناصره، لكن المهنية الغائبة والـ"كل" من قادة وآمرين وغيرهم كانوا يكذبون، كما قال الغراوي الذي جعل من يستمع إليه يعتقد أن الجميع "خونة" إلا هو المسكين ساعتها..!!
وهنا نقول نحن: قمّة الخيانة التي لا يريد هو أو غيره التطرق إليها، كانت بإذلال الناس الذين سئموا حتى العيش، لأنهم لم يجدوا من يحميهم وأغلب من كانوا يقولون أنّهم جاءوا لحمايتهم أذاقوهم مرّ العذاب والهوان والتنكيل المصحوب بعمليات تعذيبٍ داخل السجون والمعتقلات وحتى الشارع علناً، كي يخاف أهل المدينة من "حماتهم".!!.. وهنا نضع شيئاً بسيطاً لذكرى لا تفارقنا وكانت لأحد أيام الحرب العراقية الإيرانية، حيث كنّا في الحجابات الأمامية ومن خدم في الجيش يعرف ما تعنيه كلمة (الحجاب).. تعرّضنا لهجوم إيرانيٍ من عدّة محاور وكانت القوّة المهاجمة "لنا" تبلغ "فوجاً زائداً سرية" أما نحن فلا يتجاوز عددنا ألـ(١١) فرداً فقط..!
اندلعت المعركة "بيننا" الساعة ٩ ليلاً حين دار رحاها على "السدة" في مدينة الفاو التي تم احتلالها وتغيير اسمها إلى "الفاطمية" وقتها وتحديداً في "المملحة" المقيّدة عسكرياً على الرتل الشمالي..!
بقينا نقاتل لغاية الساعة الخامسة فجراً ولم نتزحزح من مكاننا لشبرٍ واحد، حتى وصلت طلائع التعزيزات وكانت سرية مغاوير "كاملة" يقودها النقيب محمود الذي ما أن وصل قربنا، حتى كانت الطائرات المقاتلة والسمتية العراقية تقصف الأهداف المهاجمة التي ما كانت لتميّزها ليلاً وأقسم بالله كنت يومها أصبت بجرحٍ بيدي وكتفي الأيسر، لكني رفضت ترك زملائي إلى أن جاءني أمر الانسحاب بشكلٍ رسميٍ من قبل النقيب محمود شخصياً..
رضخت له بداعي أن ناقلة الأشخاص التي تنتظرنا إن غادرت لن تعود إلى مساء ذات اليوم، لصعوبة الحركة نهاراً، كون خنادقنا الشقية التي نحتمي داخلها، كانت على السدة الترابية ولا يصلنا أحد، إلا عبر طريق واحد ينتهي على بعد (٢) كلم من أقرب موضع في الخلف..!
كنّا جنود بلا "قائد برتبة ومهما كانت" ولم نهرب بمعركة "صريحة" وقابلنا الأعداء بعزيمةٍ لم تنل منها الأعداد الكبيرة التي كانت أضعافاً مضاعفة مقارنة بحجم عددنا (الصغير جداً)، ولكننا اليوم رأينا العجب العجاب، كون من وجدناهم يهربون قبل الجنود، كانوا الـ(قادة)..! وألف يا حيف نجد من يطلق عليهم مفردة "قادة" لأن القائد بالعرف العسكري يعدّ "فارساً"..!!
ملاحظة: نحن هنا نتحدث عن شأن عسكري ومعنى البطولة والعقيدة العسكرية لا أكثر، عليه، الرجاء أن لا يتم تفسير كلامنا بعيداً عن العلم العسكري... ونختم بالمثل الموصلي القائل... "راحت رجال الحامض السماگي وظلّت رجال اللي بالعصا تنساگي"..!
لغاية اليوم احتفظ بكتاب حصولي على "ثلاثة أنواط شجاعة" وكلما أعيد قراءة ذلك الكتاب تنساب الدموع من عينيّ على عراقٍ رويناه بدمائنا وفقدنا لأجله أجزاءً من أجسادنا، كي لا تنتهك حرمته، وكلكم تذكرون وتعلمون أن الجندي العراقي في السابق كان حاله كحال أي مواطن آخر لا يتكبّر أو يستغل أحداً، ترى هل نجد ذلك اليوم..؟ ولا عزاء للخونة مهما كانت تبريراتهم..!!
وصلت قوّات التنظيم إلى مشارف بغداد مبتلعة في طريقها عديد الوحدات الإدارية ليس في نينوى وحدها وإنما في صلاح الدين "تكريت" وبات أغلب إن لم نقل (٩٠ ٪) من العراقيين يوقنون أن ما يجري هو مخطط لإسقاط العراق وحكومته وجلب حكومة جديدة قيل الكثير عن الإتيان بها وقتها..!
حمامة السلام (كرة)..!
كان الشعب وفي عموم البلاد يئن ويتذمّر مما عاناه وشاهده على أرض الواقع، لأن الفساد والمحسوبيات واللعب على الأوتار الطائفية والقومية والعرقية والمناطقية وصل إلى ذروته، رغم تجاوز الحرب الأهلية التي كانت وشيكة في سنتي (٢٠٠٦ و ٢٠٠٧) والتي أطفأها الله حين حوّل كرة القدم إلى حمامة سلام، أرسلها إلى بغداد حاملة "كأس الأمم الآسيوية" لنشهد صحوة حقيقية ُنبذ خلالها العنف الطائفي وأصبح أغلب أهل العراق ونقصد الشعب، يعمل على محاربة ذلك "التعصّب الأعمى الذي وُجد من يغذيه وانكشف" ولأنّه لم تعد أي محاولات تنطلي عليه، علِم (الشعب) بأن ما يحصل لم يكن أكثر من صراعٍ على مناصب وكراسي وقوّى أحزاب، كثيراً منها يتلقى تمويله ودعمه من الخارج مؤتَمِراً بالذي يصله لأوامر ممن يمدونه بالمال وغيره من الأمور..!
لا ينكر أن الأمور هدأت بعض الشيء تلك الحقبة ولكن هل رضي الجميع بذلك وآمنوا بالأمر الواقع؟
الجواب لا..! والدليل بقاء أهل "السنّة" تارة يلوّحون بالإنسحاب من العملية السياسية وأخرى يمنعون (جمهورهم) هذا إن كانت لديهم جماهير أصلاً ونقصد (الساسة) ورجال الدين الذين لا يعرف أحد وإلى اليوم ماذا يريدون وعلى ماذا يعترضون، لأنّ أكثرهم ترى تصريحاتهم تناقض أفعالهم التي تخرج بين آونةٍ وأخرى وهي توثّق جلوسهم وبراحةٍ تامةٍ مع الأطراف الأخرى التي قالوا أنّهم يتنازعون معهم..!!
وحين يرون أمورهم الشخصية (مُسَت).. يكون اللجوء إلى التحريض على الانفصال داخل الجسد الواحد..!
خديعة كبرى
خدع أهل السنة من (ساستهم ورجال الدين) الذين كانوا يظهرون بالواجهة كممثلين لهم.. وكانت الفتاوى التي تصدر بتكفير ومعاداة من يعملون مع الحكومة أو في أجهزتها أو يشارك بالانتخابات (المحرّمة) شرعاً على حدّ وصفهم وترويجهم عبر قنوات حملت شعاراً استعمارياً وهو (فرّق تسد) وفعلاً نجحوا بإبعاد أغلب الكفاءات والضباط والمراتب وعزلهم وفي الخفاء كانوا يحتفلون لأن تلك النصائح والفتاوى كانت تحقق لهم ما يصبون إليه وهو الدفع بمن يريدونهم (هم) للتواجد في المناصب وقبّة البرلمان ومجلس المحافظة.. لذا كانت الأقلية التي تشارك بالانتخابات محسوبة لهم وعليهم..
لعبة خبيثة وماكرة!
كان الشرطي والجندي والضابط من نينوى أو من يعمل بأي مكان لتقديم خدمةٍ عامةٍ لا يأمن على نفسه أو عائلته.. كانت الأقنعة التي يرتديها رجل الأمن خير دليل على (خوفه) كي لا يعرفه أحد وترون اليوم لا قناع على الوجه مما يعني فرض قوّة القانون والدولة وشتان بين تلك الأيام وهذه التي نعيشها اليوم..
قبل احتلال الموصل كانت التفجيرات تتكرر يومياً وتارة أسبوعياً أو شهرياً وقيادة العمليات السابقة وغيرها كانوا يقيمون المعارض التي (تتكرر) ولا تتغيّر وهي تكشف عن استيلائهم على أسلحة ومتفجرات وهواتف وأجهزة وملابس وكتيبات وشعارات للتنظيم و(الدولة الإسلامية)..
لو كان هناك أي منصف يبادر لجمع تلك الأفلام التي كانت تعرض علينا ويراجعها سيجدها عبارة عن (نسخ ولصق) لا أكثر..
طيلة فترة بقائهم في الموصل "الدواعش" لم يحدث تفجيراً واحداً اللهم باستثناء سيارة ملغّمة واحدة وفي مكانٍ ناءٍ مما يؤكد أنّهم من كانوا يقفون خلف تلك التفجيرات التي حصدت الآلاف من أرواح الشعب المسكين..
للجوامع حكايات
كان أفراد التنظيم يتحركون وهناك أعداد من الجوامع يعمل فيها سرّاً وتارةً علناً، حتى باتت أوكاراً معلومة للجميع ونشك أن القوات الأمنية وقتها لم تؤشّر ذلك فكان أمثال (أبو أيوب) وغيره يلقون الخطب الرنانة والتحريضية ولا أحد يسألهم أو يقول لهم ماذا فعلتم، بل وهناك مجاميع واجبها الأساسي (تجنّد الشباب) سرّاً وترسلهم إلى خارج نينوى..!
كل هذا يطبّق على أرض الواقع وأغلب مؤسسات المحافظة الأمنية والحكومية تعلم به وفي مرّات تتحدث عنه ومن ثم تتراجع وتنفيه..!
ليس أهل المدينة!
حدوث النزاع الطائفي في تلعفر ونزوح مجاميع باتجاه الموصل ممن تركوا بيوتهم وأملاكهم ومصادر عيشهم ورزقهم، جعل شرائح كثيرة من (تركمان) تلعفر تلتحق بالتنظيم فور سيطرته على المدينة، هذا إن لم يكن لهم اليد الطولى بالتمهيد للاحتلال..
كيف لا يكون ذلك ونائب البغدادي هو (أبو علاء الإعفري)..
كل أبناء الموصل يتذكرون حين تعالت أصواتهم لإعادة نازحي تلعفر إلى أماكنهم التي خرجوا منها بعد استتباب الأمن هناك..! وكاد يحصل ذلك لولا (الفيتو) التركي الذي تم استخدامه وفرضه ليبقى الحال على ما هو عليه داخل مدينة وجد أهلها من ينافسهم في عيشهم وسكنهم ورزقهم..!
إرتفعت أسعار كل شيء وبات العمل شحيحاً والبطالة في تزايد مخيف لأن لا إستثمارات ولا عمل في المدينة التي كانت قبلة للزائرين..!
الكل ساكت وأزمات مثل الوقود والكهرباء والماء وبقية الخدمات ما أن تبدأ واحدة حتى تتبعها أخرى والمضايقات تتزايد سواء من قبل الأجهزة الأمنية بكل عناوينها وتابعيتها أو غيرها إلا ما رحم ربنا..
أجل كان هناك مخطط واضح المعالم.. هذا ما خلصنا إليه وقصة القنصلية التركية التي أفرج عن كادرها من قبل (داعش) لا يمكن أن تمحى من الذاكرة، لأنّ الأتراك دخلوا بمفاوضات مع محتلي المدينة استمرت لشهور وفجأة رأينا من كانوا على أساس أنهم (أسرى للتنظيم) تحوّلوا لمحتجزين في الموصل، رغم أنّهم يوالون (دولة الكفر تركيا كما كانوا الدواعش يعلنون) ليطلق سراحهم وهم معززون مكرمون ويعودون إلى بلادهم التي يعرف العالم أجمع بأنّها كانت الممر الأبرز لكل من تواجد على أرض نينوى وسوريا من الأغراب بكافة جنسياتهم وأعراقهم..!
هكذا تأسست دولة بني عثمان
ما حصل لأتراك القنصلية أجبرني على البحث في كتب التاريخ، كي أعلم على الأقل ما يجري ولماذا وكيف يحصل ذلك في الموصل التي لم أغادرها ما أن عدت إليها حين لم أجد العون أنا وأسرتي على مشارف أربيل وهنا أشير لمن خذلوني حصراً من أولئك الذين استنجدت بهم وكنت على أبوابهم التي أغلقت بوجوهنا..!
كان يتواصل معي صديقي "علي الشبكي" وهو من أبناء الموصل الذي ترك المدينة وذهب للعيش في "برطلة" أو قضاء "الحمدانية" ذي الأغلبية المسيحية..!
كنت أحكي له ومعه كل شيءٍ حتى رأيته يوماً يتصل بي بغير موعدنا، وتوضّح من كلامه وقوع أمر جلل.. أخبرني وهو يتألم بأن "الحمدانية" أحتلت بالكامل مع "برطلة" وقصباتها وتم إنسحاب القوات التي كانت تحميها "منها" بلا قتالٍ أيضاً وهو الآن في طريقه إلى أربيل مع آلاف العائلات..!
قبل أن ينهي كلامه (كانت التكبيرات تتعالى في جوامع "الموصل" وهي تعلن عن ضمّ قضاء الحمدانية إلى دولة "الخلافة" التي أعلنت رسمياً تلك الأثناء وتحريرها ممن كانوا يسيطرون عليها وقصدوا البيشمرگة الأكراد..!
اعتدنا بعد ذلك أن نعرف كل شيء من الجوامع حال الجهر بالتكبير..!
بكيت مع عليّ وسألت الله أن ينجيه هو ومن معه وتواعدنا أن لا ننقطع من التواصل وهو ما كان حتى وقتٍ معيّنٍ..!
توقف التنظيم نهائياً عن التقدم صوب أربيل أو أي مكانٍ يتبع الإقليم وباتت الحدود الواقف عندها هي التي تخصّه ولا ينافسه عليها أحد..!!
البحث عن الكتب
وجدت ضالتي في عدد من الكتب التي كانت مخزنة على أقراص ومطروحة في مكاتب بيع الأقراص الليزرية وكذلك سبق لي وخزّنت قسم آخر على حاسوبي بعد تحميله من الشبكة العنكبوتية و(كوكول)..
بات لدي خزين من الكتب أشعرني أني سأصل إلى مبتغاي عاجلاً أم آجلاً..!
كما قمت بتحميل أغلب الأحاديث النبوية وأجزاء كثيرة من نهج البلاغة..
سألوني الأهل: ماذا ستفعل بكل هذه الكتب..؟ أجبتهم: أريد الوصول للحقيقة لأن ما يجري لم يكن طبيعياً أو وليد الصدفة..!
رحت أقرأ بنهم شديد ومعروف عني (حفظ) الفكرة التي تأتي أمامي بسرعةٍ مذهلةٍ..
مثلاً قراءة أي قصة لمرّة واحدة، أتمكّن من حفظ أحداثها وأستطيع لاحقاً إعادة كتابتها ليس كما (كتبت) بل كما أرغب أنا بأسلوبي مع الحفاظ على جوهرها..!
لذا لم أغفل أي معلومة قرأتها ولا أقول أن الصدفة لعبت دورها، وإنما بحثي، حيث وقع أمامي مجموعة من كتب، كلها تحكي عن كيفية تأسيس الدولة العثمانية..!
تلك الدولة (الإسلامية) التي سمعنا وقرأنا عنها الكثير واتضح لي لاحقاً أن كل ما سبق وقرأته ليس إلا عبارة عن أكاذيب (حشوها) في كتب التاريخ المنهجية التي كانت (تدرّس) لنا..!
وأخذت أسأل نفسي.. هل تحالفت كل الحكومات التي مرّت على حكم العراق مع الأتراك بحيث (لمّعوا) صورتهم أمامنا وتحديداً الدولة العثمانية (الخلافة الإسلامية التي حكمت لأكثر من خمسة قرون)..؟ علماً أننا وفي بعض الأحيان كنّا نقرأ عن الاحتلال العثماني للعراق..!!
ما وجدته في الكتب التي تحدثت عن (عثمان) ودولته حتى مجيء (أتاتورك) أخرجني من عالم الواقع ووضعني في شكٍ مما سيجري وبسبب أحد السطور في كتاب منها بت لا أثق بأهل بيتي أو أقاربي لفترة طويلة، خصوصاً حين كدت أطعن من شخصٍ كان يتصل بي و(محسوب) على الأسرة الصحفية العراقية..
لا أنسى ذلك اليوم!
كنت أتحدث معه في شتّى المواضيع حتى حدث في أحد الأيام أن فتحت له قلبي وكلمته بصدقٍ لم أفعله مع غيره..
كنت أشرح له ما يجري تفصيلياً والخشية من قادم الأيام وأننا نتوق لرؤية "جحافل جيشنا العراقي" وهي تتقدّم بصحبة الحشد الشعبي الذي أعلن عن تأسيسه وكان ذلك تحديداً بعد إعلان فتوى الجهاد الكفائي من قبل المرجع الأعلى للشيعة السيد السيستاني..
كان محدّثي على الخط يحكي لي أن الحشد الشعبي وصل إلى مرحلة بعيدة وأنه سيصل إلى الموصل بظرف أيام لا اكثر..!
كنت أرد عليه وأنا أكرر "يا الله يا الله".. أشكرك على هذه البشارة يا (ع) وماذا عن الجيش؟ يرد.. الجيش والحشد يسيران مع بعض وإن هي إلا ساعات والأكثر أيام لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة وستراهم بعينك..!
كنت أفرح لحديثه، رغم أنني أرى عبر الأخبار غير الذي يقوله لي..!
حصل في يوم أني كنت منفعلاً جداً من تصرفٍ "اخرقٍ" أقترف من محتلي المدينة..
رنّ هاتفي النقال وكان ذات الشخص (الصحفي ع).. تحدثت معه بقلب مفطور، حتى صرخت به وأنا أطلق كلمات "صلياً" كالرصاص.. أين هم ولماذا لا يقومون بتخليصنا.. لأن من يتواجدون اليوم في المدينة، ليسوا من أهلها، بل هم أغراب من الأرياف" مناطق محاذية للموصل" وقلّة قليلة جداً فقط من (المواصلة) راحوا معهم!!..
وكلام آخر كثير "فضفضت" به، كلّه انتقاد وانتقاص من "الدواعش" ودولتهم الهجينة..!
فوجئت بعد ساعات وإذا بكلامي ذاك الذي (حكيته) مع (صاحبي الصحفي ع) يتم نشره وتداوله عن لساني وباسمي الصريح وكنيتي الحقيقية..!
لكم أن تتصوّروا الموقف الذي عشته ساعتها، وهل يمكن لي بعد ذلك أن أثق بأحد حتى وإن كان أبي أو أخي وابني وليس صديقاً مهما كان قريباً مني بالصوت (بعيداً) بالجسد..؟!
تصريحاتي تلك وجدتها أيضاً على صفحته في (الفيس بوك) حاولت الاتصال به أول الأمر، كي يزيل إسمي على الأقل..!
كون حديثي المنشور ذاك يُعد (حكماً بالإعدام) عليّ أصدره الصحفي (ع) بحسن "نيّةٍ" أو سوئها..!
لم يرد على عديد اتصالاتي، فأرسلت له رسالة طالبته فيها أن يرفع إسمي على الأقل مما نشره هو وإن أمكن كل كلامي..! لا تعلمون حجم الخوف الذي عشته بسبب ذلك الفعل الأخرق..!
لي أصدقاء كثر ولكني فضّلت أن اتصل بزميلٍ لي في العمل هو الصديق إياد الجوراني وكلفته أن يبادر فور انتهاء مكالمتي به ويتصل بالشخص المذكور وينقل له عن لساني ما طلبته وهو حذف كل ما نسبه لي إلا إن كان يروم تحقيق غاية من خلف نشر الكلام وهي إيذائي..!
بعد ذلك أعلمت إياد بأني سأقفل عضويتي على (الفيس بوك) وتويتر ومنصات التواصل الاجتماعي وأترك له شخصياً "صفحتي الرسمية" ليديرها هو بنفسه وينشر فيها ما يرغب وكنت أعلم أن إياد ليس صديقاً أو أخاً فقط، بل أكثر من ذلك وأستطيع أن استأمنه على حياتي وحياة أفراد أسرتي..
حقاً كان الوفي الأمين لأنّه لم ينشر أي شيء في صفحتي باستثناء خبر (نعيي) يوم أشيع عن إعدامي و"نحري" بقطع رأسي..!
ولأني أتحدث عن الأوفياء.. لا بد أن أذكر مواقف للكثيرين ممن تعاطفوا معي ورغبوا بخلاصي وحتى هروبي من الموصل أنا وعائلتي..
ترسيخ الأقدام
في تلك الأثناء راح التنظيم يقوّي من مكانته فأعلن عن عدّة قرارات، منها تشكيل "الدواوين" حسب مصطلحاته المشتقة من كتب (تأسيس الدولة العثمانية) وتعني "الوزارات" وهي: دواوين (الجند والمالية والتعليم والماء والمجاري والعقارات والحسبة والأمنية والزكاة والشرطة والاستخبارات والمرور والقضاء الشرعي والإفتاء والإعلام) وغيرها الكثير..!
كانت الحركة في بداية "احتلال الموصل وتوابعها" لم تنقطع وبقيت الموصل وما يحاددها على تواصلٍ تامٍ.. بل كان كثيرون من المحافظات الأخرى يأتون للزيارات ويعودون بذات اليوم أو يبقون أكثر وقسم منهم كانوا "يحسدون" من في الموصل على (نعمة الكهرباء ورفع الحواجز والتنقل بحرية أول الأمر ورخص الأسعار ومنها الوقود الذي طُرح للمواطن أول الأمر بسعر وصل لـ"٢٥٠" ديناراً للتر البنزين من محطات التعبئة الرسمية أو الأهلية، ثم راحت الأسعار ترتفع نسبياً وتدريجياً)..!
كان صديقي "معروف محمد سالم" حينها يأتي بسيارته الشخصية وهو المدرّس في متوسّطة عثمان بن عفان..
كم من مرّة جلب لي السجائر التي كنت أقوم بتخزينها وتكديسها، كان يتزوّد بالوقود لسيارته ويمازحني بأن الأسعار (عندكم) رخيصة.. كان معروف برحلاته تلك ينقل ما تيسّر أو يستطيع من حاجيات داره التي تحتاج إليها أسرته المتواجد بعد النزوح في إقليم كردستان العراق وتحديداً أربيل التي استقر فيها لاحقاً..!
آخر زيارة لمعروف رأيته فيها كانت ليلة عيد الفطر المبارك أول عيدٍ يمرّ على المدينة وهي "مسلوبة الإرادة" ومن ثم انقطع عني لظروفٍ خاصة وعاود مرّة أو أكثر.. وفي إحداها كان يتحدث معي هاتفياً وطلب مني أن أكلّف ابني "عمر" ليشتري له الوقود وسألته عن شيءٍ خاص بيني وبينه وكان "أمانة مالية وصلته وهي عن أجور عملي"، فقال لي.. بعد أسبوع سآتي إليك في البيت لن اتأخر عليك ولم أره بعدها وبقيت فقط اتصالاتنا التي نجريها..!!
شعرت أني لن أرى معروف وأن السجائر يمكن أن تشح عليّ وكانت أسواق الموصل مليئة بأنواعٍ منها ساعتها..
كنت أملك المال وقتها وأسعار السجائر لم ترتفع بل انخفضت كثيراً، كون التجار باتوا يخشون حدوث ما جرى في المدن السورية عند فرض سيطرة التنظيم عليها..!
أعطيت أولادي المال وطلبت منهم الطواف في الأسواق وسحب كافة أنواع السجائر (النعناع "منثول") من السوق وجمعها في داري..!
بظرف أيام لا أكثر، امتلكت أكثر من (ستة كارتونات) ويزيد منها، قمنا بتوزيع ما اشتريناه من السجائر واخفائه في كل أرجاء البيت، بحيث حشونا (المخدات وطقم الاستقبال و أفرغنا أحد التانكيات الخاص بالمياه وملأناه هو الآخر سجائر)..!
كما كنت أحتفظ ببعض (الممنوعات الأخرى بحسب شرعهم "كحوليات") والمقربون فقط يعلمون عنها وأني أخزّنها تحسّباً لأي طارئ.. ؟!
مواقف لا تنسى
رغم تنامي المخاطر التي وضعنا فيها ليس برغبتنا، وتطلعنا كي تعود الأمور لطبيعتها، إلا أنني أرى الواجب يحتّم عليّ ذكر مواقف رجولية كثيرة وكان أوّلها للشهيد الراحل صباح الكرعاوي ابن مدينتي وأهلي وأعمامي وأقاربي وعشيرتي "النجف الأشرف" حيث اتصل بي ولأكثر من مرّة وطالبني بالخروج من الموصل وأنّه خصص لي داراً في النجف وهو مؤثث ومتكامل وأني سأعيش بكنفه وعائلتي كأخ وصديق ما قدر الله من أيام حتى زوال الغمّة عن المدينة، ثم وقبل أن ينهي كلامه وصلني من الرجل "رصيد" لهاتفي وحين قلت له لماذا فعلت ذلك؟ أجاب نحن إخوة ونعرف الظروف ولو كنت أنا محلك لفعلت أنت معي أكثر.. أقسمت له أني سأبحث عن طريقة وأخرج باتجاه بغداد ومن هناك أتجه اليه في النجف..!
إنتهت المكالمة بيني وصباح، لكن الاتصالات تواصلت لاحقاً..!
رنّ الهاتف من جديد وإذا بزميلي وصديقي جعفر العلوجي يسأل عن حالي..
كنت أيضاً أثق به وأتحدث الواقع معه بلا تزييف أو غيره وقالها الرجل بانفعال.. حبيبي طلال الوضع يسوء عندكم.. (اترك كل شيء خلفك واهرب "تعال" وأنا أمّنت لك مشتمل في حي الجهاد ولا تشيل هم لأي شيء، أنت أخي وسترى الأمور كيف تتحسّن، حينها فقط قلت له حركتنا أصبحت محدودة وأن من يغادر الموصل بات ملزم أن يراجعهم أي (التنظيم) ويأخذ موافقتهم ويوقّع لهم على تعهّد ويذكر أسباب السفر ويمنع سفر العوائل كعوائل ولأي سبب كان.. قال لي:
كيف يصل إذاً بعض الأشخاص والعائلات من الموصل إلى بغداد..؟
أجبته: عن طريق التهريب وهنا نكشف بأن التهريب بات سوقاً منتعشاً في الموصل وبأسعار خيالية لا يقدر عليها أمثالي من الفقراء والكل يعلم ما يحمله التهريب بين ثناياه من مخاطر عديدة، أقلّها الإعدام لمن يجدون إسمه بين المطلوبين عند التدقيق، كونهم وفي جميع نقاط التفتيش التي تواجدوا فيها لاحقاً، كانت هناك أجهزة (حاسوب لابتوب) يستعينون بها ويتم من خلالها تدقيق الأسماء، لأنّهم وعلى حد زعمهم امتلكوا كل أرشيف دوائر ومؤسسات المحافظة إضافة للقوائم التي كانت عندهم سابقاً..!
أخبرت العلوجي بأني سأفعل المستحيل رغم أني أشك بنفاذي وأسرتي بالتهريب..!
المسعود على الهاتف
بعد أيام أتاني إتصال من الملا عبد الخالق مسعود رئيس اتحاد كرة القدم العراقي وقبل أن أبدأ بشرح ما موجود أجابني (كل شيء) نعرف وكل ما يحصل بالموصل يصلنا اولاً بأول وطالبني هو الآخر أن أتجه إلى أربيل، حتى وإن كان عن طريق التهريب وأنّه سيجهّز لي ولأسرتي ما يسترني ويعينني وأثناء الكلام قلت له كنت سأعبر إلى أربيل وشرحت له الموقف الذي مررت به مع شخص أعرفه وهو أيضاً يعرفه فاعتذر الملا من ذلك الموقف وقال لي بالحرف (مو كل أصابعك سوية بابا طلال وتذكر أن عرضي لك لازال قائماً ومتى ما وصلت أربيل عندي بيتي القديم هو لك) وأيضاً الرجل بقي متواصلاً معي ولم ينقطع عني..!
الكبير زغيّر
كنت أجلس حزيناً وأضرب أخماساً بأسداسٍ وإذا بهاتفي يرنّ وظهر رقم غريب لم يسبق لي أن خزنته والأصح كنت أخزن الأرقام بهاتف آخر رغم الإبقاء على رقمي (نفسه)، كي لا يقع بين أيدي أي قوّة ممكن تعترضني يوماً ما وكنت كلما رغبت أن أتصل أنا بأحدٍ من معارفي، أخرج الهاتف الآخر وأطالع الأرقام أو أقارنها برقم المتصل لأتبيّن من يكون..!
كنت متعب جداً ولم أهتم بالتقصّي عن الهاتف وإذا بمن أرد عليه يخبرني أنّه "كامل زغيّر" رئيس نادي الحسين عضو اتحاد كرة القدم العراقي وكان الرجل يعرفني وأعرفه ولكن لم تكن علاقتنا بتلك القوّة، حتى كشف لي هو يوماً بأن أحد إخوتي تعرّض لموقفٍ خطيرٍ في بغداد وأنّه كان يتواجد هناك بالصدفة ويسمع من أخي بأنّه يردد كونه لديه أخ صحفي اسمه طلال العامري.. فاقترب منه أبو وسام وسأله من أين تعرف العامري فرد أخي.. إنه أخي ابن أبي وأمي أنّه أي أخي أصوله من النجف وهو من الهلاليين الكعبيين!.. رحب الرجل به وقضى له حاجته وخلّصه من ذلك الموقف الذي لم يخبرني به وصدقاً عرفت بموقفه ذاك بعد فترة طويلة وبالصدفة..!
قال لي كامل زغير عبر الهاتف.. بعد السلام والسؤال عن الأحوال.. (أخوي) طلال لا تشيل هم (اشكد) تحتاج (هسّه) أحوّل لك أي مبلغ من ألف وحتى عشرة آلاف دولار وأعطني رقم واسم أي مكتب قريب عليك بسرعة..
كان وقتها التحويلات متواصلة بين الموصل وبغداد ولكن عندما يتم تحويل أي مبلغ ولأي فرد، يتم طلب أوراقه الرسمية (هوية الأحوال وغيرها من المستمسكات) هنا شكرت أبو وسام كامل زغير على موقفه وشعرت بزعله مني لأني لم أوافق على تحويل المبلغ رغم حماسته الظاهرة وكرمه الواضح.. وكان ذلك آخر إتصال تم بيننا حتى تحرير المحافظة..
-يتبع-
إقرأ في الجزء السادس..
بسبب أحد الوشاة (علناً).. ساقوني للتحقيق من قبل الدواعش
الجوراني وهوية التقاعد أنقذاني من مصيرٍ محتوم!
بدأ إعلان التوبة في جامع (الصابرين) ومن يقبض عليه متخلّفاَ يحاسب باقامة الحد!
هكذا حققوا البيعة لهم في مبنى المحافظة بحضور العدناني وغيره..!
كيف ضاع مني حلم التواجد في أمم آسيا ٢٠١٥..؟
ملاحظة: يرجى عدم الاقتباس…
كل الحقوق محفوظة للمؤسسة "النهار نيوز" والكاتب "المؤلف" طلال العامري..